التحول النقدي العالمي: تحديات العراق في استقلال اقتصاده
الاقتصاد العراقي: ريعي نفطي أحادي المصدر
يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على بيع النفط الخام وتسوية العائدات بالدولار الأمريكي. هذا الوضع جعل السياسة النقدية العراقية مرتبطة بشكل مباشر بالنظام المالي الأمريكي. الإيرادات النفطية تُودع في حسابات البنك الفيدرالي في نيويورك وتُدار وفقًا لترتيبات رقابية دولية مرتبطة ببرامج الامتثال المالي ومكافحة غسل الأموال.
الاعتماد على النفط وتأثيره على السيولة والميزانية العامة
根据 دراسات اقتصادية صادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد، فإن نحو 90 إلى 95 بالمئة من الإيرادات العامة العراقية تأتي من النفط. هذا يجعّل أي اضطراب في الدولار أو تراجع في الطلب العالمي على النفط يشكّل تهديدًا مباشرًا للسيولة والميزانية العامة.
تحديات البنك المركزي العراقي
يشير مختصون في الاقتصاد المالي إلى أن البنك المركزي العراقي لا يمتلك حرية مطلقة في إدارة احتياطاته، حيث تُقيّد معظم تعاملاته بشبكات التحويل الأمريكية، ويُراقب نظام "سويفت" العالمي التحويلات المالية بدقة، ما يمنع أي تعاملات موازية خارج المنظومة الدولارية.
البيئة الاستيرادية المشوّهة في العراق
وفق تقديرات أكاديمية حديثة، فإن الاعتماد المفرط على الدولار خلق بيئة استيرادية مشوّهة، إذ تميل السوق العراقية إلى استهلاك السلع الأجنبية دون تعزيز الإنتاج المحلي، مما عمّق حالة الانكشاف الاقتصادي وربط دورة المال الداخلي بتقلبات السياسة النقدية الأمريكية.
صعود اليوان وتأثيره على الاقتصاد العالمي
تعمل الصين منذ أكثر من عقد على بناء نظام مالي موازٍ يحدّ من هيمنة الدولار، عبر توسيع استخدام اليوان في التجارة الدولية وإنشاء مؤسسات مالية بديلة. وفي عام 2023، أعلنت بكين عن تسوية أكثر من 52.9 بالمئة من تعاملاتها العابرة للحدود باليوان، متجاوزة الدولار للمرة الأولى في التاريخ الحديث.
تحديات العراق في التحول نحو اليوان
رغم أن العراق من أوائل الدول النفطية التي انفتحت على الصين تجاريًا، إلا أن موقفه في التحوّل النقدي العالمي يبقى ضعيفًا للغاية. البنية المصرفية في بغداد ما تزال تقليدية، وتعتمد بشكل شبه كامل على التحويلات الدولارية عبر المنظومة الأمريكية.
الخيارات المتاحة للعراق
يمكن للعراق دراسة إنشاء آلية مقايضة تجارية، يتم بموجبها استيراد السلع الصينية مقابل صادرات نفطية، دون الحاجة إلى المرور بالدولار. كما يمكنه تخصيص جزء من احتياطه النقدي باليوان، كخطوة رمزية لتوسيع قاعدة التنويع المالي، مع تطوير اتفاقيات مصرفية مع بنك الشعب الصيني لتسهيل التحويلات المباشرة.
التحديات السياسية والاقتصادية
تظل التحديات السياسية والاقتصادية أمام العراق كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن والخشية من أن يُفسَّر أي تحرك نحو الصين كخطوة في محور جيوسياسي مناوئ للغرب. يحتاج العراق أولاً إلى بناء استقلاله الإنتاجي والتجاري قبل التفكير في الاستقلال النقدي.
الخلاصة
يواجه العراق تحديات كبيرة في استقلال اقتصاده وتحويله نحو اليوان. رغم أن البعض يرى أن الاستغناء الكامل عن الدولار غير ممكن في المدى القصير أو المتوسط، إلا أنه يبقى هدفًا استراتيجيًا طويل الأمد في ظل التغيّرات العالمية. يعتمد العراق على الدولار كعملة أساسية لإدارة الدولة، لكنه يراقب بتمعّن التحولات الجارية شرقًا، حيث تعيد الصين كتابة معادلة النفوذ المالي العالمي، خطوةً خطوة.

