الحوار مع الدكتور أحمد السعيد: اللغة الصينية أعادت تشكيل طريقة تفكيري
مقدمة
الحوار التالي مع الدكتور أحمد السعيد، الباحث والمترجم والناشر المصري، يسلط الضوء على تجربته مع اللغة الصينية وكتابه الجديد “الصين من الداخل”. يبحث السعيد في هذا الكتاب عن تقديم رؤية جديدة للصين، تتجاوز الانبهار الشكلي وتقدم صورة أكثر عمقاً وحقيقة.
دافع تأليف الكتاب
أشار السعيد إلى أن الدافع وراء تأليف هذا الكتاب كان مزيجاً من المسؤولية والقلق. بعد أكثر من ربع قرن من الاحتكاك بالصين دراسةً وعملاً، شعر السعيد أن التجربة لا يجوز أن تبقى حبيسة صدريه، بل يجب أن تتحول إلى نص معرفي مشترك مع القارئ العربي. يريد السعيد أن يقدم الصين كما هي: بلد يحمل إنجازات كبرى وتحديات واقعية، وجذوراً ثقافية وفكرية لا يمكن تجاهلها.
الفارق بين الكتابين
أوضح السعيد أن كتابه “الصين من الداخل” يختلف عن كتابه السابق “سنواتي في الصين”. بينما كان “سنواتي في الصين” دفتر الدهشة الأولى، كتاب القلب، فإن “الصين من الداخل” هو كتاب النضج والعقل، ثمرة تراكم وتجربة طويلة، عمل يحاول أن يقرأ البنية العميقة للصين.
النظرة للعرب
أشار السعيد إلى أن صورة العرب في الوعي الصيني مزدوجة. هناك صورة رومانسية تعود إلى الأدب: “ألف ليلة وليلة”، الصحراء، الكرم، الشعر. وهناك صورة سلبية تأثرت بالإعلام الغربي: عنف وفوضى وإرهاب. بين هاتين الصورتين تضيع الحقيقة.
بداية قصته مع اللغة الصينية
أوضح السعيد أن قصته مع اللغة الصينية بدأت صدفة، التحقت بقسمها في جامعة الأزهر لا عن حب مسبق، بل هروباً من الطب والصيدلة. بعد التخرج عمل في السفارات، ثم في القوات المسلحة مترجماً. لكن اللحظة الحاسمة كانت عندما سافرت إلى الصين: هناك تحولت اللغة من وسيلة عمل إلى مفتاح حضارة.
الترجمة والنشر
أشار السعيد إلى أن اختياراته كمترجم تحددها القيمة وقدرة النص على أن يكون جسراً. لا يبحث عن السهل أو الرائج، بل عن العمل الذي يفتح نافذة جديدة. بالنسبة له، الترجمة ليست تجارة، بل مسؤولية حضارية، والمترجم رسول بين ثقافتين.
موقع الأدب العربي المعاصر
أوضح السعيد أن الأدب العربي في الصين يكاد يقتصر على نجيب محفوظ ومحمود درويش وأدونيس، أسماء الجيل الجديد مجهولة. وهذا تقصير من جانبنا قبل أن يكون من جانبهم. الأدب هو الوجه الأصدق للأمة؛ لأنه يعرض الإنسان لا الخبر.
النشر والترجمة
أشار السعيد إلى أن الترجمة عشقه الأول، فيها عزلة ومغامرة، فيها لذة البحث عن كلمة واحدة حتى تضيء النص. النشر ساحة أخرى: عمل جماعي، قرار سريع، مخاطرة بالسوق. الترجمة تعلم الصبر والدقة، النشر يعلم الشجاعة والمخاطرة.
اللقب
أشار السعيد إلى أن لقب “ماركو بولو العرب” الذي منحته له صحيفة “الشعب” الصينية، يسعدنه من حيث التقدير، لكنه يترك عنده تحفظاً صادقاً؛ لأن من يملك سرد القصة يملك الذاكرة. العرب عرفوا الصين قبل المؤرخ والرحّالة الإيطالي ماركو بولو بقرون: ابن بطوطة، المسعودي، التاجر سليمان. هؤلاء هم الذين رسموا الخرائط الحقيقية لـ”طريق الحرير”. أفضّل أن أكون امتداداً لهم لا نسخة من سردية غربية.

