تعيش سوريا حراكاً سياسياً وأمنياً متسارعاً، في ظل حديث عن خلاف بين دمشق وقسد، وفى ظل قيام تركيا بتعزيز تحالفها مع دمشق عبر اتفاقيات أمنية وعسكرية تهدف إلى مواجهة مشاريع التقسيم، وفى ظل استماع الإدارة الجديدة إلى النصيحة التركية بتعميق التحالف مع موسكو، معتبرة أن الشراكة الروسية – التركية، يمكن أن تشكل توازناً أمام النفوذ الإسرائيلي والغربي.
وما يجب الانتباه إليه، أن الجنوب السورى يشهد توتراً متصاعداً مع تراجع سلطة الحكومة في السويداء لصالح مجموعات مسلّحة محلية، ليصبح الرئيس أحمد الشرع، فى ظل هذه التطورات، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحفاظ على دولة مركزية موحدة أو المخاطرة بمزيد من التفكك، فضلا عن عودة التحالف مع موسكو قد يمنح سوريا الجديدة دعماً عسكرياً وسياسياً لفرض حل بالقوة ضد تحالف الأقليات، لكنه قد يثير استياء جزء من القاعدة السنية التي ترى في النفوذ الروسي امتداداً لحقبة الأسد.
والأمر الآخر الذى يجب أن يوضع عين الاعتبار، هو أن انفتاح سوريا على الغرب، قد يعني – عند البعض – القبول بتسوية سياسية قائمة على تقاسم السلطة مع الأكراد والأقليات الأخرى، وهو ما يرفضه الرئيس السورى حتى الآن.
وهنا، تكمن المعضلة في الرأي العام السوري الذي يرى في أي خطوة نحو ترتيب أمنى أو إجراء أي تفاوضات مع الجانب الإسرائيلي دون شفافية ومعلومات دقيقة، قد يزيد من التخوفات والشكوك والهواجس، حتى ولو أتت هذه الخطوة كاستجابة براجماتية واقعية يفرضها وضع الجنوب السوري المشتعل بالأزمات، وكذلك الوضع الاقتصادي الحرج للبلاد، بما يحتاج دعماً دولياً، ورفعاً من قوائم الإرهاب والعقوبات.
وظنى، أن تطوّر الأحداث في سوريا نحو مواجهة مفتوحة قد يُخرج الأطراف الإقليمية من الظلال إلى الضوء، فبدل التنافس الصامت على سوريا، سيُعلن كل طرف عن هدفه الحقيقى، وهذا يعنى تفجير الجغرافيا السورية من جديد، وانزلاق المنطقة كلها إلى صراعات تتجاوز حدودها، والأخطر أن جنوب سوريا قد يتحول إلى جنوب لبنان جديد، وشرقها إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى الكبرى.
وختاما.. ما يحدث الآن من تنافس قوى دولية، ومن تراجع لتحالفات إقليمية لسوريا، قد يدفع إلى حراك في اتجاه مٌعاكس نحو الدعم السورى، من شأنه التأثير على هدف إعادة بناء دولة مركزية قوية.