العراق على موعد مع المراجعة الدولية: تحديات الاختفاء القسري وتعزيز الحقوق
مقدمة
يدخل العراق عام 2026 بملف ثقيل يتجاوز طاقته السياسية والقضائية، حيث لا يزال آلاف المواطنين في حكم المفقودين بعد عقد من انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش. هذا الملف الذي طال أمده تحول من قضية إنسانية إلى اختبار مباشر لالتزام الدولة بالقانون الدولي، مع اقتراب موعد المراجعة الأممية الحاسمة في آذار المقبل.
حجم الكارثة
تقدّر منظمات دولية عدة أن عدد المفقودين في العراق قد يتراوح بين 250 ألفاً وأكثر من مليون شخص، وهي حصيلة تمتد من حروب الثمانينيات إلى ما بعد 2014. اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحتفظ بنحو 28 ألفاً و892 ملفاً مفتوحاً لأشخاص لم يُعرف مصيرهم بعد، في حين يؤكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن أكثر من 11 ألف عائلة قدمت بلاغات رسمية بين 2017 و2022.
قضية الصقلاوية
من بين كل هذه الحالات، تبقى قضية الصقلاوية في محافظة الأنبار هي الوحيدة التي وثقت بشكل دقيق وواسع. ففي حزيران 2016، وخلال عمليات استعادة الفلوجة، اختفى 643 رجلاً وفتى بعد فصلهم عن عائلاتهم عند نقاط تفتيش تابعة لفصائل من الحشد الشعبي. تؤكد منظمة العفو الدولية هذا الرقم منذ عام 2017، مطالبة بغداد مراراً بالكشف عن مصيرهم وإعلان نتائج التحقيقات.
التطورات السياسية
على الصعيد السياسي، شهد الخطاب الرسمي تحولات نادرة. ففي كانون الأول 2022، قال محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب الأسبق إن هؤلاء "ليسوا مغيبين بل مغدورون"، داعياً إلى اعتبار عائلاتهم مشمولة بقانون ضحايا الإرهاب. أما صالح المطلك نائب رئيس الوزراء الأسبق فذكر في لقاء متلفز في كانون الثاني 2025 أن رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي قال له عند مناقشة الملف: "فتشوا عنهم في نهر دجلة".
التحديات والتحديات الدولية
تتوزع البلاغات والشهادات الميدانية في مناطق عدة من العراق، أبرزها الرضوانية والرازازة وسامراء والطوز وآمرلي وجرف النصر. تُشير تقارير حقوقية إلى أن أنماط الاختفاء تزامنت مع عمليات عسكرية ضد داعش، وشملت اعتقالات ميدانية عند نقاط التفتيش ونقل المحتجزين إلى مواقع مغلقة.
مطالب الأمم المتحدة
تطالب الأمم المتحدة بغداد بالتزامات محددة قبل الموعد، في مقدمتها تجريم الاختفاء القسري كجريمة مستقلة في القانون الوطني، وإنشاء إطار شامل للتعويض وجبر الضرر، وضمان سجلات احتجاز شفافة، وحفظ الأدلة الجنائية والشهادات، وتفعيل آليات رقابة مستقلة.
التوصيات
توصيات الأمم المتحدة تمتد إلى إصلاح البنية المؤسسية، إذ تطالب بإعادة هيكلة اللجنة الوطنية للمفقودين وضمان استقلال المفوضية العليا لحقوق الإنسان مالياً ووظيفياً، مع الحفاظ على أرشيف التحقيقات والمواد الشرعية التي جمعتها بعثة يونيتاد.
حقوق الضحايا
تطالب الأمم المتحدة بمواءمة تعريف "الضحية" مع المادة 24 من الاتفاقية، بحيث يشمل كل من تضرر بشكل مباشر أو غير مباشر، وتمكينهم من المشاركة في التحقيقات والإجراءات القضائية. كما تدعو إلى إلغاء اشتراط شهادة الوفاة لإثبات الحالة القانونية للمختفي واستبدالها بإجراءات إعلان الغياب.
المتابعة والتعاون
تطلب الأمم المتحدة من العراق تقديم تقارير دورية وبيانات إحصائية دقيقة حول حالات الاختفاء، والرد على الإجراءات العاجلة ضمن المهل المحددة، وتعزيز التنسيق بين الحكومة الاتحادية وسلطات إقليم كردستان لتوحيد الإجراءات القانونية والمؤسسية.
الخلاصة
يتحرك ملف الاختفاء القسري في العراق بين محورين متوازيين؛ الأول داخلي مثقل بالاتهامات والانقسامات السياسية، والثاني دولي يتصاعد ضغطه كلما اقترب موعد جنيف. بينما تنتظر آلاف العائلات أي بصيص أمل في معرفة مصير ذويها، تواجه الحكومة تحدياً يتمثل في إثبات قدرتها على تحويل الالتزامات القانونية إلى إجراءات عملية.

