ملخص للوضع الراهن
يشكل ملف العدالة الجنائية في العراق أحد أعقد الملفات التي واجهت الدولة الحديثة، إذ تداخلت فيه مقتضيات الأمن مع استحقاقات الدستور وضمانات حقوق الإنسان. على الرغم من سَنّ البرلمان قوانين إصلاحية مثل العفو العام، والشروع مؤخرًا في تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية لحصر التحقيق أمام القضاء، ما تزال فجوة التطبيق قائمة، تعكسها ممارسات متأخرة كاستمرار الاعتماد على نظام المخبر السري وتأخر الإفراج عن مشمولين بالعفو.
تحديات تطبيق العفو العام
رغم أن قانون العفو العام أُقر قبل أشهر قليلة، إلا أن تنفيذه العملي يواجه عراقيل كبيرة. تفيد الملاحظات الأكاديمية بأن الروتين الإداري والإجراءات البطيئة عطّلت استفادة آلاف العوائل من أحكامه. وهنا يؤكد عضو مجلس عشائر جنوب الموصل خالد الجبوري أن "بالرغم من شمول الآلاف بقانون العفو العام، لكن هناك الكثير مازالوا لم يطلق سراحهم، بسبب الإجراءات الروتينية والبطيئة، والتي تؤخر فرحة العوائل بخروج ذويها".
مشكلة الاعتقالات القائمة على تشابه الأسماء أو التهم الكيدية
إلى جانب الروتين، تبرز مشكلة الاعتقالات القائمة على تشابه الأسماء أو التهم الكيدية، وهو ما يجعل الحاجة للعفو العام انعكاسًا لأخطاء إجرائية مستمرة. وفي هذا السياق، أضاف الجبوري أن "في ظل التطور التكنلوجي والاستخبارات والمعلومات ووجود منظومة أمنية متطورة، فإن الاعتقال بتشابه الأسماء، أو التهم الكيدية يجب أن يصبح من الماضي".
قضية تكريت الأخيرة
تتجلى الإشكالية بوضوح في قضية تكريت الأخيرة، حين وجّه المسؤول السابق في صلاح الدين وأحد وجهائها جاسم الجبارة مناشدة إلى وزير الداخلية بشأن توقيف مواطنَين استنادًا إلى شهادة مخبر سري في قضية تعود إلى عام 2004. وأوضح الجبارة أن "الحادثة وقعت بتاريخ 24 نيسان 2004 وأسفرت عن استشهاد سبعة مواطنين وإصابة 37 آخرين، وقد تم حينها القبض على الجناة الذين اعترفوا بالتخطيط والتنفيذ، وصدر بحقهم الحكم القانوني".
تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية
في مواجهة هذه الإشكالات، أُحيل قبل يومين تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، ليتم بموجبه حصر التحقيق أمام قاضي التحقيق أو المحقق القضائي. يُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها انتقالًا من التحقيق البوليسي إلى التحقيق القضائي، بما يقلل من مظاهر الابتزاز والتعذيب والانتهاكات التي لطالما شابت مرحلة جمع الأدلة.
الاستنتاج
المشهد برمته يُظهر أن العراق يعيش معضلة عدلية مزدوجة: قوانين إصلاحية تُقر، لكن تطبيقها يتعثر، وممارسات قديمة كالمخبر السري تبقى قائمة رغم عدم ملاءمتها. الاستنتاج المتدرج يقود إلى أن الإصلاح لا يمكن أن يكتمل ما لم تُستبدل هذه الأدوات بوسائل تحقق قضائية وتقنية حديثة، تُغلق الباب أمام الاعتقالات الكيدية وتشابه الأسماء، وتعيد للمواطن الثقة بالعدالة كسلطة محايدة.

