دخول آلية الزناد حيّز التنفيذ: تحديات العراق بين الاقتصاد والسياسة والأمن
بعد دخول "آلية الزناد" حيّز التنفيذ رسميًا، دخلت إيران مرحلة جديدة من العزلة الدولية، وعاد العراق معها إلى قلب معادلة معقدة تجمع بين الاقتصاد والسياسة والأمن. هذه الآلية، المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015، أعادت تلقائيًا تفعيل ستة قرارات ملزمة من مجلس الأمن صدرت بين 2006 و2010، لتتحول العقوبات الأمريكية الأحادية إلى عقوبات أممية مُلزِمة لـ193 دولة.
انعكاسات على الاقتصاد العراقي
الخبير في الشؤون الاقتصادية أحمد عبد ربه أوضح أن "تفعيل زناد العقوبات على إيران سيترك انعكاسات مباشرة على الاقتصاد العراقي، لاسيما في ملف الطاقة والتجارة البينية، نظرًا لاعتماد العراق على الغاز والكهرباء الإيرانية بشكل كبير". وأضاف أن هذا الإجراء "سيؤدي إلى ضغوط إضافية على السوق المحلية وارتفاع في الأسعار، فضلًا عن زيادة الطلب على الدولار وتأثيره على استقرار الدينار".
هشاشة الاقتصاد العراقي
تفيد تقديرات سياسية–اقتصادية متقاطعة بأن هذا التعليق يختصر حجم هشاشة الاقتصاد العراقي، إذ أن أي خلل في تدفقات الغاز أو الكهرباء من إيران يترجم فورًا إلى اضطراب في الأسواق المحلية. وتشير بيانات بحثية إلى أن العراق فقد بالفعل آلاف الميغاواطات من إنتاج الكهرباء في أوقات سابقة عندما قلصت إيران صادرات الغاز بسبب متأخرات مالية، ما يجعل بغداد في وضع أشبه بالرهينة أمام التطورات الإقليمية.
تأثير على المناخ الاقتصادي الإيراني
وفق تقرير غرفة تجارة طهران، فإن إعادة العقوبات بهذا الشكل لا تعني استرجاع بعض القيود البسيطة، بل إعادة هيكلة كاملة لنظام الضغط القانوني والاقتصادي. الخبير الإيراني محمد خبري زاد قال إن "تفعيل آلية الزناد سيؤثر مجددًا على المناخ الاقتصادي والأسواق المالية في إيران، مع سيناريوهين محتملين: واحد متشائم والآخر متوازن". وأوضح أن السيناريو المتشائم يقوم على انخفاض صادرات النفط وقفزات في الدولار والذهب وتضخم خارق للسيطرة، بينما السيناريو المتوازن يفترض أن أغلب العقوبات الكبرى مطبقة أصلًا لكن الكلفة ستزداد بفعل الأثر القانوني الجديد.
تحديات العراق في مواجهة العزلة الإيرانية
الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي كتب أن "الفارق الجوهري في تفعيل آلية الزناد يتمثل في تحويل العقوبات الأمريكية الأحادية على إيران إلى عقوبات أممية مُلزِمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة". وبيّن أن هذه الخطوة ستضاعف الضغوط على دول كالصين وروسيا التي كانت تتعامل مع طهران بشكل جزئي. وفق مقاربات مؤسساتية، هذا يعني أن عزلة إيران مرشحة للتوسع، وأن العراق، كأكبر شريك تجاري لها، سيجد نفسه أمام ضغوط إضافية لالتزام مسار الشرعية الدولية.
مواجهة التداعيات
عبد ربه شدّد على أن مواجهة التداعيات تتطلب "تنويع مصادر الطاقة بالانفتاح على دول الخليج وتركيا والأردن، وتعزيز الاستثمار في الغاز الوطني لتقليل الاعتماد على الاستيراد، إضافة إلى تطوير نظام التحويلات المالية لتفادي العقوبات الثانوية". هذه المقترحات، بحسب قراءات اقتصادية متقاطعة، تلتقي مع دعوات إلى تعزيز الاحتياطيات الأجنبية وتشديد الرقابة على سوق الصرف.
موقف الحكومة العراقية
ورغم حساسية التطور، لم تُعلن الحكومة العراقية موقفًا واضحًا حتى الآن. وقد وجهت "بغداد اليوم" سؤالًا رسميًا إلى الجهات الحكومية حول كيفية تعامل بغداد مع الملفات المشتركة مع إيران في ظل العقوبات الأممية الجديدة، غير أن الرد جاء بالامتناع عن التعليق. وفق تقديرات بحثية مستقلة، هذا الصمت قد يعكس استمرار المشاورات الداخلية أو خشية من تبني موقف يضع العراق مبكرًا في مواجهة أحد الطرفين. لكنه في الوقت نفسه يزيد حالة الضبابية ويفتح المجال أمام تفسيرات متناقضة داخلية وخارجية.
التحديات المستقبلية
مع دخول آلية الزناد حيّز التنفيذ، لم يعد النقاش حول احتماليات أو سيناريوهات مستقبلية، بل واقع قائم يضغط على بغداد سياسيًا واقتصاديًا. العراق يواجه اليوم معادلة عسيرة: الالتزام بالشرعية الدولية مع ما يترتب عليها من أزمات داخلية، أو الانحياز للحليف الإيراني بما يحمله من مخاطر عقوبات ثانوية قد تمس موقعه المالي والإقليمي. تؤكد تحليلات قانونية وسياسية أن القرار لم يعد خيارًا داخليًا بقدر ما صار اختبارًا لعلاقة بغداد بالعالم، في لحظة ستحدد ملامح دورها الإقليمي ومقدار قدرتها على المناورة بين الضغوط المتعارضة.

