هجرة سكان المناطق الريفية تسهم في زيادة حرائق الغابات في أوروبا
ساهمت هجرة سكان المناطق الريفية في أوروبا خلال فترة طويلة، في زيادة اشتعال حرائق الغابات التي اجتاحت القارة هذا الصيف في ظروف جوية قاسية، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن موجات الحر القياسية المرتبطة بتغير المناخ أشعلت حرائق أودت بحياة سكان ورجال إطفاء من إسبانيا إلى تركيا، غير أن وزراء وخبراء أكدوا أن الدمار كان أشد فداحة، لأن الحرائق امتدت دون عوائق عبر أراضٍ زراعية مهجورة.
وأضافت الصحيفة أن النزوح المستمر منذ عقود من القرى الريفية إلى المدن بحثاً عن فرص عمل تسبب في تحويل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية السابقة إلى غطاء نباتي بري “سريع الاشتعال”.
أسباب الحرائق
وأودت الحرائق بحياة نحو 20 شخصاً في اليونان وتركيا وقبرص خلال يونيو ويوليو الماضيين، وتسببت في وفاة 8 آخرين على الأقل في إسبانيا والبرتغال في أغسطس الماضي.
وقالت لمياء كمال شاوي، مديرة مركز ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمناطق والمدن التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي حذرت مراراً من مخاطر تراجع المناطق الريفية: “كلما فرغت المناطق الريفية، تساعد الأراضي المهجورة على اشتعال حرائق الغابات. الحل يكمن في الجمع بين إجراءات وقاية واستجابة قوية للحرائق، وجهود إحياء الاقتصادات الريفية وضمان استدامتها”.
تأثير الهجرة على المناطق الريفية
وتكبدت مدن مثل لوس أنجلوس أضراراً جسيمة من حرائق الغابات التي فاقمها اتجاه موازٍ، إذ دفع بحث السكان عن مساحات أوسع إلى التوسع في بناء منازل جديدة بمناطق شبه ريفية معرضة للحرائق.
وقال فيكتور فرنانديث جارسيا، خبير الغابات والزراعة بجامعة ليون في واحدة من أكثر المناطق الإسبانية تضرراً: “هنا الأمر مختلف… الأدغال والغابات هي التي تغزو القرى”.
وفي شمال غربي إسبانيا، واجه رجال الإطفاء في أغسطس الماضي، صعوبة في السيطرة على حريق ضخم، بينما تعطلت خطوط النقل وأُجبر آلاف السكان على الإجلاء مع احتراق مساحة تفوق ضعفي مساحة لندن الكبرى.
إسبانيا تعاني من الحرائق
وحتى الخميس الماضي، التهمت النيران 402 ألف هكتار، لتسجل أكبر مساحة تضررت بالحرائق في إسبانيا منذ عام 1994، وفق بيانات النظام الأوروبي لمعلومات حرائق الغابات.
وشددت وزيرة الطاقة والبيئة الإسبانية، سارا آجيسين، على ضرورة وقف مسار “الهجرة من المناطق الريفية” وتعزيز الجهود لخفض “حمولة الوقود” المتمثلة في الغطاء النباتي غير المُدار عبر التقليم وإزالة الأدغال وتجديد الرعي.
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إن الكارثة تثبت أن “حالة الطوارئ المناخية تتسارع بوتيرة غير مسبوقة”.
تغير المناخ يسهم في الحرائق
وربط وزراؤه بشكل مباشر بين الحرائق وموجة الحر الأشد منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1975، حيث تجاوزت الحرارة 40 درجة مئوية بمتوسط أعلى بـ4.6 درجة عن المعدل الموسمي.
وكانت أمطار غزيرة بشكل غير معتاد، أنهت حالة الجفاف في وقت سابق من العام، لكنها خلقت في الوقت نفسه غطاء نباتياً كثيفاً سريع الاشتعال.
وخلصت دراسة صادرة عن مبادرة “تحليل أسباب أحداث الطقس العالمي”، إلى أن تغير المناخ جعل اندلاع حرائق الغابات في شهري يونيو ويوليو في اليونان وتركيا وقبرص أكثر احتمالاً بعشر مرات.
البرتغال تعاني من الحرائق
وفي البرتغال، كانت المساحة المتضررة هذا العام نصف ما أتت عليه الحرائق المدمرة في 2017، والتي أودت بحياة أكثر من 60 شخصاً. وتشير بيانات النظام الأوروبي لمعلومات حرائق الغابات إلى أن ثلثي الأراضي المحترقة في أوروبا هذا العام كانت في إسبانيا والبرتغال معاً.
وقال فرنانديث جارسيا، إن تراجع الزراعة الريفية كشف كثيراً من القرى التي كانت محمية في السابق بحظائر الماشية وحقول الرعي والحدائق الزراعية، والتي كانت تعمل كخطوط عازلة أمام الحرائق.
مشكلة أوروبية
وفي إقليم ليون الإسباني، تراجع عدد مزارع الأغنام والماعز من نحو 34 ألفاً عام 1962 إلى ما يزيد قليلاً على ألف مزرعة في 2020. وأضاف فرنانديث جارسيا: “لم تكن القرى عرضة لهذا الخطر في ذلك الوقت”.
وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قد حذرت، العام الماضي، من نمط مماثل يزيد من حدة الحرائق في اليونان. وقالت كمال شاوي: “هذه ليست مشكلة إسبانية فحسب، بل مشكلة أوروبية”.
وبينما خفض النزوح عدد المهددين بالحرائق في القرى المتقلصة، فإنه خلف أيضاً مجتمعات يطغى عليها كبار السن الأكثر عرضة للخطر.
وفي قرية موليثويلاس دي لا كاربالييدا، المهددة بالحرائق، في إقليم ثامورا الإسباني، تراجع عدد السكان إلى النصف تقريباً ليبلغ 47 فقط خلال العقد الماضي، فيما يبلغ متوسط أعمارهم 70 عاماً. وقال رئيس البلدية، ألكسندر ساتوي لوبيز، إن عملية إجلاء من كانوا على كراس متحركة أو مقعدين “كانت معقدة بعض الشيء”.
الحلول الممكنة
وقال فرانسيسكو مارتين أثكارتي، أستاذ علم البيئة بجامعة مدريد المستقلة، إن الاستجابة السياسية يجب أن تشمل إزالة الأدغال بانتظام عبر الحرائق المراقبة، رغم أن استخدامها ظل محدوداً بفعل اللوائح الصارمة.
وأضاف: “من المستحيل القضاء على الحرائق تماماً. فقد كانت موجودة دائماً وستظل. لكننا انتقلنا من حرائق صغيرة ومتكررة لم تكن تسبب مشكلات كبرى، إلى حرائق ضخمة شديدة الكثافة، بحرارة هائلة وقدرة على التمدد عبر عشرات آلاف الهكتارات”. ويرى مارتين أثكارتي أن هذه الحرائق “من شبه المستحيل مكافحتها بالإمكانات المتاحة”.
وفي البرتغال، قال الباحث في مركز أبحاث الغابات الوطني، جوزيه بيريرا، إن إحياء الرعي التقليدي يشكل وسيلة لإعادة تنويع استخدام الأراضي الريفية. ورغم تراجع الرعي بسبب ضعف العوائد، بدأت الحكومة البرتغالية تجارب محدودة بتمويل عام لإعادة تنشيطه.