وسط النقاشات العالمية المتصاعدة حول التغير المناخى، قد يبدو الحديث عن ارتفاع درجة واحدة مئوية فى حرارة الأرض أمرًا بسيطًا لا يستحق القلق، غير أن الواقع يقول عكس ذلك، فدرجة واحدة فقط كافية لإحداث ضجة كبرى على مستوى الأمم والمجتمعات، بالنظر إلى الآثار الكارثية على كوكب الأرض بما تشمله من تغير هائل فى الأنظمة البيئية، وحياة البشر والنبات والحيوان، بل وفى التوازن المناخى الذى ظل مستقرًا لعشرات الآلاف من السنين.
هذه الدرجة الواحدة لا تقاس بما نشعر به فى طقس يوم صيفى حار أو شتوى دافئ، بل هى متوسط عالمى طويل الأجل لدرجة حرارة سطح الأرض، فبينما كانت الحرارة العالمية مستقرة نسبيًا قبل الثورة الصناعية، بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر فى الارتفاع تدريجيًا، حتى اقتربت اليوم من 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، السبب الأساسى لهذا الارتفاع يعود إلى الأنشطة البشرية، وعلى رأسها حرق الوقود الأحفورى مثل الفحم والنفط والغاز، وهو ما أدى إلى زيادة الانبعاثات الغازية التى تحبس الحرارة فى الغلاف الجوى، وبالتالى تغير مناخ الأرض بطرق لم نشهدها من قبل.
الآثار الناجمة عن هذه الدرجة الواحدة من الاحترار ظهرت بالفعل، ولم تعد مجرد توقعات مستقبلية، الظواهر المناخية المتطرفة أصبحت أكثر عنفًا وتكرارًا، فنشهد اليوم عواصف أقوى، وحرائق غابات أكثر شراسة، وموجات حر قاتلة، وفيضانات مدمرة تجتاح مناطق متعددة حول العالم، كما أن حرارة المحيطات التى ارتفعت بدورها تؤدى إلى تغذية الأعاصير، وتزيد من كثافة الأمطار فى بعض المناطق، بينما تدفع بمناطق أخرى نحو جفاف طويل الأمد وموجات تصحر.
واحدة من أبرز النتائج المباشرة للاحترار هى ذوبان الجليد فى القطبين الشمالى والجنوبى، وكذلك فى الأنهار الجليدية بالجبال الكبرى مثل الألب وهملايا، هذا الذوبان المستمر يسهم فى ارتفاع مستوى سطح البحر، وهو ما يهدد المدن الساحلية والجزر المنخفضة والدلتاوات حول العالم بالغمر والتآكل، ويضع ملايين البشر فى مواجهة مباشرة مع خطر الهجرة المناخية، و دلتا النيل فى مصر مثال واضح على ذلك، حيث تحذر الدراسات من خطر ارتفاع البحر المتوسط وتأثيره على الأراضى الزراعية والسكان، وفى المقابل تعمل الدولة المصرية على تنفيذ مشروعات لحماية الشواطئ وتعزيز قدرة الدلتا على مواجهة التغيرات المناخية.
كما يطال الاحترار العالمى قطاعات الغذاء والماء بشكل مباشر، فارتفاع درجات الحرارة يؤثر سلبًا على إنتاج المحاصيل، ويقصر من مواسم الزراعة، ويزيد من تفشى الآفات، والجفاف، والتملح فى الأراضى الزراعية، من جهة أخرى، تؤدى التغيرات فى الدورة المائية إلى انخفاض إمدادات المياه العذبة، ما يهدد الأمن المائى ويزيد من حدة النزاعات حول الموارد الطبيعية، خصوصًا فى الدول النامية والبلدان ذات الموارد المحدودة.
البيئة الطبيعية هى الأخرى لم تسلم من التأثير، فالنباتات والحيوانات تجد صعوبة متزايدة فى التكيف مع الظروف المناخية الجديدة، بعض الأنواع لا تستطيع الهجرة إلى مناطق أبرد، أو التكيف مع الوتيرة السريعة للتغير، مما يعرضها للانقراض، الشعاب المرجانية فى البحار، مثل الحاجز المرجانى العظيم فى أستراليا، تفقد ألوانها وتموت بفعل ارتفاع حرارة المياه، ما يؤدى إلى انهيار أنظمة بيئية بحرية كاملة تعتمد عليها ملايين الكائنات.
فى هذا السياق، يعتبر العلماء أن تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية يمثل خطًا أحمر مناخيًا، هذا الرقم، الذى تم اعتماده فى “اتفاق باريس للمناخ” عام 2015، ليس مجرد هدف سياسى، بل هو عتبة علمية تحذر من أنه فى حال تم تجاوزها، ستبدأ سلسلة من التغيرات المناخية التى يصعب عكسها، مثل ذوبان الجليد فى جرينلاند بالكامل، وتغير مسارات التيارات البحرية، واحتمال اختفاء غابات الأمازون التى تعد رئة الكوكب، ومع اقترابنا من هذا الحد بسرعة، يحذر العلماء من أن العقد القادم سيكون حاسمًا فى كبح جماح هذه الأزمة.
رغم كل هذه التهديدات، لا يزال الأمل قائمًا، فهناك حلول مطروحة على الطاولة، تبدأ بالتحول إلى الطاقة المتجددة كالرياح والشمس، والابتعاد عن الوقود الأحفورى، مرورًا بتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتشجيع وسائل النقل المستدامة، ودعم الحلول الطبيعية مثل زراعة الأشجار واستعادة الغابات والنظم البيئية، كما أن دور الفرد والمجتمع لا يقل أهمية، عبر ترشيد الاستهلاك، وتغيير أنماط الحياة، والمطالبة بسياسات بيئية أكثر جرأة.
فى النهاية، درجة واحدة مئوية ليست مجرد رقم فى تقارير الأرصاد أو دراسات العلماء، بل هى الفرق بين مناخ عرفناه منذ آلاف السنين، ومناخ جديد ينذر بالفوضى، هى جرس إنذار للبشرية، بأن الوقت ينفد، وأن العمل لا بد أن يكون جماعيًا وسريعًا، قبل أن ننتقل من مرحلة التأقلم إلى مرحلة الخسارة.