إن استراتيجيات مثل استراتيجيات الرؤية، واستراتيجيات التنويع الاقتصادي، واستراتيجيات التحول، والاستراتيجيات القطاعية، أيّما كانت مسمياتها، هي في الحقيقة استراتيجيات بالغة الأهمية، خاصة في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى.
فالحكومات واقعة تحت ضغوط لتلبية احتياجات شعوبها. وفي عالمنا اليوم المجزأ والمضطرب، يُعدّ الاستقرار الاقتصادي والرؤية الاقتصادية الاستراتيجية طويلة الأجل أمراً بالغ الأهمية لمنح الشركات أكبر فرصة للنجاح.
وقد شهد هذا الأسبوع إطلاق الاستراتيجية القطاعية الحديثة للمملكة المتحدة. إنّها لحظة مهمة للمملكة المتحدة، وأعتقد أنّها مهمة أيضاً لمنطقة الشرق الأوسط، ولدول مجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد. فكما شهدنا على مدى العقد الماضي، حدّدت دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجياتها للتنمية والتحول للأجل الطويل في مجموعة من الأولويات.
حيث إنّ رؤية السعودية 2030، ورؤية الإمارات 2031، ورؤية البحرين الاقتصادية 2030، ورؤية عُمان 2040، ورؤية الكويت 2035، ورؤية قطر الوطنية 2030 كلها توفر التوجه واليقين والاستقرار، ليس للمواطنين والمقيمين فيها فحسب، بل أيضاً للمستثمرين والشركاء التجاريين والزائرين.
يرتكز الاقتصاد المزدهر في المملكة المتحدة على حكومة تتمتع بالأمن والاستقرار. واستراتيجيتنا القطاعية الحديثة هي خطتنا العشرية لدفع أجندة عجلة النمو في المملكة المتحدة. والاستثمار هو جوهر استراتيجيتنا. وهذا الاستثمار سيأتي من الحكومة البريطانية، وكذلك من الشركات في المملكة المتحدة وخارجها.
وسيهدف الاستثمار الحكومي إلى ضمان دعم الشركات في قطاعاتنا المحفّزة للنمو لأجل تحقيق إمكاناتها، الأمر الذي يضيف قيمة هائلة إلى اقتصادنا ويحقق النمو الاقتصادي.
وهذا الدعم الأساسي من شأنه أن يجعل ممارسة الأعمال بالنسبة للشركات أسرع وأكثر يسراً وأقل تكلفة، الأمر الذي يمنحها الاستقرار اللازم لاتخاذ قرارات استثمارية للأجل الطويل. وفي المقابل، هذه الشركات، التي يعمل العديد منها في قطاعات رائدة، من التكنولوجيا الزراعية إلى المواد المتطورة، ومن الذكاء الاصطناعي إلى تكنولوجيا الكمّ، سوف تتوسع وتنمو، وتُصدّر خدماتها ومنتجاتها إلى الخارج، كما ستسعى إلى الاستثمار في مزيد من الابتكار.
كما أنّ سياساتنا الرئيسية من شأنها أن تجذب المستثمرين والشركاء في منطقة الشرق الأوسط وباكستان.
سياسات مثل تعزيز الإنفاق على البحوث والتطوير، ليبلغ 22.6 مليار جنيه إسترليني سنوياً بحلول عام 2029-2030، وتعزيز دعم المستثمرين، بحيث نوفر لأكبر مستثمرينا وأكثرهم توافقاً مع الاستراتيجية إمكانية الاستفادة من دعم أكثر ملاءمة لاحتياجاتهم، من خلال مكتب الاستثمار، الذي جرى توسيعه حديثاً، وتوفير المليارات من التمويل للشركات المبتكرة، وخاصة للشركات الناشئة والشركات سريعة النموّ.
استراتيجيتنا القطاعية الحديثة هي في الواقع استراتيجية دولية منذ البداية. فنحن نريد تسريع وتيسير الأمر على الشركات الدولية لإقامة علاقات عمل في المملكة المتحدة ومعها. وقال رئيس وزرائنا، سير كير ستارمر، إنّ المملكة المتحدة ستكون «أفضل شريك حكومي للشركات في أي مكان في العالم».
كما سنواصل دعم التجارة الحرة والعادلة كطريق لتحقيق الازدهار. وسنعمل على تعميق تعاوننا الاقتصادي مع الشركاء الدوليين، والبناء على الاتفاقيات التجارية الأخيرة مع الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والعمل من أجل إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد اختيرت قطاعاتنا الثمانية المُحفّزة للنمو لأنّها القطاعات التي ستُغذي اقتصاد المستقبل؛ التصنيع المتقدم، والطاقة النظيفة، والقطاعات الإبداعية، والدفاع، والتكنولوجيا والقطاع الرقمي، والخدمات المالية، وعلوم الحياة، والخدمات المهنية وخدمات الأعمال.
كحكومات، من الصواب أن نعطي الأولوية للرفاه الاقتصادي لمواطنينا. وهذا ما تفعله الحكومة البريطانية، وكذلك حكومات دول الخليج. لكن هذه ليست لعبة محصلتها صفرية، والفوز لا يعني بالضرورة خسارة الآخرين.
كذلك تُعدّ قطاعاتنا الاستراتيجية أولويات بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة الأوسع. ما عليك سوى إلقاء نظرة على التحول الملحوظ في المملكة العربية السعودية والنمو المتسارع جداً في دولة الإمارات العربية المتحدة في سعيهما لتحقيق استراتيجيات رؤيتيهما. والأولويات المشتركة تخلق مجالاً للتعاون، وخاصة في القطاعات المبتكرة، حيث الشركات البريطانية ونظيراتها في المنطقة تُنتج معاً منتجات وخدمات تتجاوز في مجملها مجموع أجزائها. وهذا ما يحدث بالفعل في أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، في قطاعات متنوعة مثل التكنولوجيا الزراعية، والغرافين، وتحويل النفايات إلى طاقة.
إننا نعيش اليوم في عالم متقلب تتأثر فيه التجارة العالمية بالحرب والنزعة الحمائية. وغالباً ما يكون الاستقرار الاقتصادي والالتزام بتجارة مفتوحة ومترابطة وحرة وعادلة أمراً بعيد المنال. لكنني أعتقد أنّ المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي توفر هذا الاستقرار، وهذا الالتزام. وأنا واثقة من أنّه من خلال عملنا معاً يمكننا تجاوز هذه الأزمة، والخروج بعلاقات تجارية واستثمارية أعمق وأقوى وأكثر جدوى.
إنّ نقاط القوة الراسخة للمملكة المتحدة، المتجسدة في استراتيجيتنا القطاعية الحديثة، مكملة لاستراتيجيات رؤية كل من دول المنطقة. فما تمنحه لشركاتنا وشعبنا لا يقتصر على الهدف النهائي فحسب، بل إنها توفر أيضاً خريطة طريق واضحة واستراتيجية لبلوغ ذلك الهدف.
هذه الاستراتيجيات تعدّ مهمة اليوم إذا أردنا تحقيق مستقبل أكثر ازدهاراً في الغد.
* المفوضة التجارية البريطانية في الشرق الأوسط وباكستان

