وجه مارالاغو: الصيحة الجديدة في عالم التجميل
في حفل تنصيب دونالد ترمب في يناير (كانون الثاني) الماضي، اجتمع أفراد الدائرة الضيقة المحيطة به في قاعة الروتوندا داخل الكونغرس الأميركي. وكان بين الحضور ميلانيا ترمب وكريستي نويم (وزيرة الأمن الداخلي) ولورين سانشيز (زوجة صاحب أمازون الملياردير جيف بيزوس). وقفت كل واحدة على بعد أمتار قليلة من الأخرى، وكان من الصعب عدم ملاحظة التشابه بينهن. كن يلمعن كصفحة الرخام المحيط بهن، وبدا واضحاً للعيان أن ملامحهن المصقولة قد نحتتها أنامل علم التجميل الحديث. ولسن المثل الوحيد على المظهر النحيل المشدود في الطبقات العليا من اليمين المتطرف الأميركي. بل في الواقع، انتشر هذا الشكل من الجراحة التجميلية لدرجة استدعت تخصيصه بلقب: “وجه مارالاغو”.
خصائص وجه مارالاغو
ويتميز هذا الشكل، الذي سمي تيمناً بمنتجع ترمب الشهير في بالم بيتش- حيث يقضي الرئيس معظم أوقاته في لعب الغولف في فلوريدا- بعمليات تجميل الأنف وشد الوجه وحشو الوجه بكميات هائلة من الحقن التجميلية. “هو الأنف المنمنم المقوس والشفاه المكتنزة”، هذا ما يقوله الدكتور فاريان جلال أبادي، جراح التجميل في بيفرلي هيلز. “إنه عكس الوجه الطبيعي مع ما فيه من توازن دقيق للنِسب”. والتركيز هو على ضيق العيون وعرض الابتسامة. أي أشبه بنيكول كيدمان بعد فيلم زوجات ستبفورد. لكن، كما تشرح الدكتورة جيزيل برادو-رايت، جراحة التجميل في فورت ماريز، فلوريدا، فإن الموضوع لا يقتصر على “رفع عظمتي الوجنتين وشدهما” فحسب، بل على أن “يكونا ممتلئين أكثر مما ينبغي”.
تاريخ الجراحة التجميلية
يلجأ الناس إلى الجراحة التجميلية أملاً في الحفاظ على شبابهم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، الحقبة التي شهدت بداية انتشار هذه الإجراءات. في ذلك الوقت، كانت هذه الإجراءات تتطلب جراحة وتركز على الجلد وليس عضلات الوجه، فتكون نتيجتها وجهاً مشدود الجلد ومحدود التعابير. ومن الأمثلة على هذا جون فان آرك وبريسيلا بريسلي وجوان ريفرز.
تطور الجراحة التجميلية
مع حلول ثمانينيات القرن الماضي، بدأ الجراحون باكتشاف طرق عمل جديدة يحدثون من خلالها تغييرات في الأربطة ويعيدون تشكيل الجلد والعضلات لإضفاء مظهر أكثر طبيعية. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، أصبح المتخصصون يعرفون كيف يستخدمون الحشوات والحقن لإضفاء لمسة شبابية على الوجه وتقليد نتائج شد الوجه من دون جراحة. ومع ذلك، وعلى رغم كل هذه التكنولوجيا الحديثة، ظهرت نجمات في برامج الواقع مثل سلسلة “ربات البيوت الحقيقيات” Real Housewives بملامح مشدودة كما لو كن قد خضعن لشد وجه قبل عقود. اليوم، تستعرض ميلانيا ورفيقاتها المحافظات مظهراً مشابهاً.
تأثير المجتمع والثقافة
وتشرح مليندا آنا فارينا، وهي استشارية تجميل عالمية بارزة ومؤسِّسة شركة “بيوتي بروكرز”: “تتطور صيحات الجمال بناءً على مؤثرات ثقافية واجتماعية وحتى إقليمية”. ويوافقها الرأي الدكتور جلال أبادي، قائلاً: “المجتمع الذي تعيش فيه يؤثر على المعايير والصيحات التي تميل إلى اتباعها. فإذا بدأ الجميع في محيطك الاجتماعي الراقي بالظهور بشكل معين، قد تراودك فكرة “ربما يجب أن يكون هذا شكلي أنا أيضاً”. قد لا يكون ذلك أفضل الأمور لكنه الواقع. يكفي أن يغيّر شخص واحد ملامحه بطريقة معينة، حتى يتبعه شخصان، ثم تंतشر الموضة كالنار في الهشيم”.
نقد وجه مارالاغو
ومع ذلك، لا تعتقد فارينا أن النساء ينجذبن إلى شكل وجه مارالاغو بسبب ميولهن السياسية فحسب. تقول إن الأمر “يتعلق أكثر بالبنية الوجهية للنساء من أوروبا الشرقية” التي بدأت تلفت أنظار الجمهور. وتضيف الدكتورة برادو-رايت أن الأمر، بعيداً من السياسة، يخص نساءً في دائرة الضوء، يخضعن لتدقيق شديد- ليس فقط من أنفسهن، بل من ملايين الأشخاص أيضاً.
التدقيق الشديد
تعد الجراحة التجميلية أمراً شائعاً بالنسبة إلى عدد كبير من النساء الشهيرات بسبب معايير الجمال الصارمة التي تُفرض عليهن. وربما من الدلالات المهمة على ذلك أن إحدى المفاجآت على الشاشة خلال العام الماضي كانت ديمي مور في فيلم “المادة” The Substance . فقد أظهر الفيلم شخصية إليزابيث سباركل وهي تصارع واقع التقدم في السن داخل صناعة الترفيه، من خلال اتخاذ إجراءات متزايدة القسوة لاستعادة مظهرها الشاب. توضح فارينا: “النساء في السياسة وفي دائرة الضوء يواجهن نوعاً فريداً من التدقيق عندما يتعلق الأمر بمظهرهن. وعلى عكس نظرائهن من الرجال، غالباً ما يتم تحليل شكلهن بطريقة قد تطغى على إنجازاتهن. ونتيجة لذلك، تختار بعض النساء اللجوء إلى التعديلات الجمالية، ليس بالضرورة لمجاراة الصيحات، بل للحفاظ على حضور متجدد وواثق في مواقع الظهور العلني الكثيف”.
نتائج الوجه المتجمد
ومن المفارقات أن صعود “وجه مارالاغو” يتزامن مع توجه متزايد في أوساط الشخصيات البارزة في اليسار مثل كريستن ديفيس وكورتني كوكس إلى إذابة الحشوات التجميلية للحصول على مظهر أكثر طبيعية، بالتوازي مع تنامي الإقبال على الإجراءات التجميلية الأقل تدخلاً والأكثر بساطة. ومع ذلك، فإن النساء اللواتي يتناسبن مع قالب “وجه مارالاغو” يفعلن العكس تماماً، ويُظهرن ما يسميه الدكتور جلال أبادي بـ”الوجه المتجمد”، والذي غالباً ما يكون سببه الحشوات التي تعيق حركة العضلات، مما يؤدي إلى تعابير وجه أقل حيوية؛ وقد أظهرت الدراسات أن ذلك يضعف القدرة على التواصل مع الآخرين. وتنتج منه تبعات على أرض الواقع. يقول الدكتور جلال أبادي: “عندما تنظر إليهن وتحاول إجراء محادثة صادقة من القلب، يصعب عليك ألا تشتت انتباهك. تجد صعوبة في التواصل معهن لأن وجوههن لا تتحرك”.
الخلاصة
قد يجوز إلقاء اللوم على أخطاء ارتكبها الجراح لكن هؤلاء النسوة يتخذن قراراً واعياً بمواصلة حقن وجوههن بالفيلر فيما يمكنهن إما ترك الموضوع على حاله أو