الانتخابات في العراق: استنساخ القديم
بغداد اليوم – بغداد
في بلد يُفترض أن تكون الانتخابات فيه بوابة التغيير، باتت الصناديق تُفتَح لا لاستقبال الجديد، بل لاستنساخ القديم. وفي مشهد يتكرر بلا مفاجآت، يتقدّم الناخب نحو الاقتراع وكأنما يعرف النتيجة سلفًا: الوجوه ذاتها، الشعارات ذاتها، والانسداد نفسه.
تحليل الباحث علي ناصر
الباحث في الشأن السياسي علي ناصر لخص المأزق في حديثه لـ"بغداد اليوم"، قائلًا إن الانتخابات المرتقبة "لن تأتي بشيء جديد، بل ستعيد إنتاج نفس الطبقة السياسية الحاكمة"، مشيرًا إلى غياب التيار الصدري من جهة، و"العزوف الكبير عن المشاركة" من جهة أخرى، وهو ما قد يجعل نسب المشاركة أدنى من الانتخابات الماضية.
صناديق فارغة من الأمل
الناخب العراقي، الذي أنهكته التجارب، لم يعد يرى في الورقة الانتخابية فعلًا سياسيًا، بل وثيقة استسلام. العزوف عن التصويت لم يعد تعبيرًا عن اللامبالاة، بل عن اليقين الموجع بأن النتائج لا تتغير حتى لو تغيّر المصوّتون.
انسحاب التيار الصدري وتقليص التمثيل الشعبي
ومع انسحاب التيار الصدري، وهو أحد أكبر الكتل القاعدية في البلاد، تتقلّص مساحة التمثيل الشعبي، وتزداد الكتل التقليدية رسوخًا. فالسلطة تعرف كيف تُدير اللعبة حين يغيب المنافس، وتعرف كيف تروّج لـ"الاستقرار" بوصفه بديلاً عن التغيير.
القانون الانتخابي وضمان استنساخ الطبقة الحاكمة
يضيف ناصر أن "القانون الانتخابي الحالي هو نتاج القوى السياسية المتنفذة"، وأنه صيغ ليمنع دخول المنافسين الجدد، ويُقصي المستقلين والناشئين قبل أن يدخلوا السباق. وهذا ليس جديدًا، بل هو جزء من تقليد سياسي قديم: صياغة القواعد التي تضمن إعادة إنتاج المخرجات.
القواعد والمصلحة
القانون، في هذه الحالة، لا يكون أداة لتنظيم التنافس، بل وسيلة لشرعنته لصالح طرف دون آخر. ومادامت القواعد تُكتب داخل قاعات مغلقة، وتُمرر تحت غطاء "التمثيل السياسي"، فإن النتيجة ستبقى كما هي: برلمان يُمثّل من كتب القانون، لا من صوّت له.
استمرار الوضع الراهن
وحين تصبح الانتخابات مجرّد إجراء شكلي لتجديد الشرعية الشكلية لنظام يعيد تدوير نفسه، فإن الحديث عن "تطوير حقيقي" يكون ترفًا لغويًا. يؤكد ناصر أن "العراق لن يشهد أي تغيير أو تطوير حقيقي خلال المستقبل القريب أو البعيد"، لأن الطريق نفسه يُسلك، بالخطى نفسها، وعلى الأرضية السياسية ذاتها.
ديمقراطية الشكل دون المضمون
الديمقراطية العراقية تواجه لحظتها الأخطر ليس لأنها تنهار، بل لأنها تستمر بالشكل دون المضمون. فالبرلمان يُنتخب، والحكومة تُشكَّل، لكن المواطن يبقى بعيدًا عن القرار، قريبًا من الأزمة. والطبقة السياسية، التي تتبدل مواقعها داخل الدولة، لا تتبدل داخل وعي المواطن. تظل هي هي، لأنها كتبت القانون، وحدّدت الملعب، وتقدّمت وحدها إلى خط النهاية.