الملف العراقي في صفوف الجيش الروسي: التحديات والتداعيات
خلفية القضية
بعد سلسلة من التحريات التي قادتها "بغداد اليوم" والتي امتدت لعامين، كشفت عن مسارات استقطاب واضحة نقلت شباباً من بغداد والبصرة والنجف إلى جبهات القتال في دونباس وخاركيف. مع تراكم القصص الفردية عن شباب غادروا بعقود عمل مدنية ثم انقطعت أخبارهم، أصبح الملف أكبر من كونه حالات معزولة، وتحول إلى قضية سياسية وأمنية وإنسانية دفعت الدولة في النهاية إلى الاعتراف بوجود خلل يستدعي المعالجة.
تشكيل اللجنة العليا
كشفت مصادر مطلعة عن تشكيل لجنة عليا خاصة تتولى إعداد آلية متكاملة للحد من ظاهرة تجنيد الشباب العراقيين في صفوف الجيشين الروسي والأوكراني، إضافة إلى متابعة ملف العراقيين المفقودين في مناطق النزاع ومحاولة إعادتهم إلى البلاد. هذه الخطوة جاءت بعد تراكم شهادات مباشرة من عراقيين ظهروا في مقاطع مصورة من ساحات القتال، تحدثوا عن عقود غير حقيقية، ووكلاء محليين صادروا جوازاتهم، ورواتب لم تُصرف، ونقلهم إلى معسكرات لا يمكنهم مغادرتها.
التحديات القانونية والأمنية
التحول الأهم على المستوى القانوني جاء حين أصدرت محكمة في النجف حكماً بالسجن المؤبد على شخص أدين بتجنيد وإرسال عراقيين للقتال في روسيا. هذا الحكم وُصف بأنه أول مؤشر قضائي واضح على أن ما يحدث ليس مجرد "سفر للعمل"، بل نشاط يرتبط بشبكات تجنيد وتمويل. وقد تعزز هذا التطور بعدد من التقارير الأمنية التي تحدثت عن وجود مسارات مالية وحلقات وساطة تستهدف الشباب تحت غطاء عقود عمل.
العوامل الاقتصادية
الجانب الاقتصادي يمثل بعداً أساسياً في فهم الظاهرة. فغياب فرص العمل، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب، وضعف سياسات التشغيل، جعلت عروض الرواتب بالدولار والوعود بالعمل في الخارج عوامل أساسية دفعت الكثيرين إلى المجازفة بالسفر. وتشير المصادر إلى أن اللجنة سترفع توصيات للحكومة لبحث برامج دعم تستهدف الفئات الأكثر عرضة للاستقطاب.
التداعيات السياسية والأمنية
على المستوى السياسي الخارجي، يضع انخراط عراقيين في صفوف الجيش الروسي الحكومة أمام معادلة حساسة، لأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتعاملان بجدية مع ملف المقاتلين الأجانب، بينما تحاول بغداد الحفاظ على علاقة متوازنة مع موسكو. هذا الوضع يجعل معالجة الملف ضرورة سياسية بقدر ما هي أمنية وإنسانية. وتتزايد المخاوف الأمنية من إمكانية عودة بعض المجندين بخبرات قتالية عالية أو روابط خارجية قد تؤثر على الوضع الأمني الداخلي.

