التطورات الجيولوجية في شرق أفريقيا والشرق الأوسط: تحديات وفرص
مقدمة
تشير التطورات الأخيرة في شرق أفريقيا والشرق الأوسط إلى أن المنطقة قد تكون دخلت مرحلة جيولوجية أكثر ديناميكية مما اعتادته خلال آلاف السنين الماضية. الثوران غير المتوقع لبركان "هايلي غوبي" يعكس نمطاً أوسع من الأنشطة الأرضية العميقة التي بدأت تظهر على شكل هزات وصدوع نشطة وانبعاثات حرارية في نطاق يمتد من القرن الأفريقي وصولاً إلى البحر الأحمر والجزيرة العربية.
الثوران البركاني: أسباب ونتائج
وفقاً للمختص والخبير في الرصد الجيولوجي حيدر رشاد، فإن ثوران بركان "هايلي غوبي" يعد غير مألوف، خاصة وأن هذا البركان يصنف ضمن البراكين الدرعية، والتي عادة ما تشهد انسياب الحمم بهدوء وليس انفجارات عنيفة. يمكن أن يكون الانفجار نتيجة تراكم الغازات داخل الصهارة على مدى آلاف السنين، إضافة إلى احتمالية وجود مياه جوفية أو تغيرات في خصائص الصهارة، ما أدى إلى زيادة الضغط وحدوث انفجار مفاجئ.
الصدع الأفريقي الشرقي: نظام تكتوني نشط
يتزامن هذا النشاط البركاني مع توسع واضح في الصدع الأفريقي الشرقي، وهو النظام التكتوني الذي يشهد حالياً واحدة من أكبر عمليات التمدد القاري على الأرض. ومع كل تغيّر في الضغط البنيوي، تزداد احتمالات تحرك البراكين القديمة أو تجدد نشاطها بعد فترات طويلة من السكون.
المخاطر والتحديات
تسببت الانبعاثات البركانية في سحابة رمادية انتشرت فوق القرى المحيطة، وأثرت على الأراضي الزراعية والمراعي، فيما يشكل الرماد خطراً على الجهاز التنفسي، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن، فضلاً عن تهديد مباشر للطيران المدني. يُشير رشاد إلى أن الموقع الجغرافي للبركان ضمن الصدع الأفريقي الشرقي، إضافة إلى ضعف الرصد الميداني، لعب دوراً في عدم توقع هذا النشاط البركاني بعد فترة طويلة من الخمول.
أهمية المراقبة الجيولوجية
يشير رشاد إلى أهمية تعزيز المراقبة الجيولوجية وتحليل الغازات والرماد، وإصدار تحذيرات صحية وطيران فورية للسكان المحليين والمناطق المتأثرة. هذا التحذير ينسجم مع ما تسجله الدراسات الحديثة من ضعف واضح في شبكات الإنذار المبكر عبر عدة دول تقع على خط الصدع الممتد نحو البحر الأحمر والجزيرة العربية.
المناطق الحساسة
تبرز أهم مناطق القلق الجيولوجي اليوم في غرب اليمن، حيث تمتد سلسلة براكين خاملة نسبياً قرب صنعاء وإب وذمار، على امتداد فالق البحر الأحمر. تُكشف الدراسات الميدانية عن شقوق حرارية وفتحات غازية متقطعة كانت تُعد سابقاً "غير خطرة"، إلا أن تغيّر الضغط في البحر الأحمر وامتداد النشاط التكتوني شمالاً قد يجعل هذه البراكين أكثر استعداداً للاستيقاظ.
التغيرات المناخية وتأثيرها
تتعقّد الصورة أكثر مع التغيرات المناخية العميقة التي تضرب المنطقة. فارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض الرطوبة، واتساع الجفاف يؤثر على استقرار الصخور السطحية. أما الفيضانات الموسمية المتطرفة، فتغيّر توزيع الأوزان فوق القشرة الأرضية، ما قد يسهم بصورة غير مباشرة في تنشيط الصدوع القديمة.
الاستنتاج
يشكل هذا الحدث فرصة علمية لدراسة ديناميكيات الصدع الأفريقي وطبيعة البراكين الدرعية، لكنه في الوقت ذاته يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة للتقليل من المخاطر المحتملة على السكان والبنية التحتية والطيران المدني. يُشير رشاد إلى أن المنطقة الممتدة من شرق أفريقيا إلى اليمن والبحر الأحمر أصبحت اليوم "مختبراً مفتوحاً" لتفاعل التمدد القاري مع التغيّر المناخي، وأن ثوران هايلي غوبي قد لا يكون سوى بداية سلسلة تفاعلات أعمق.

