التأخر في تسمية رئيس الوزراء: حسابات وأعباء
في المشهد السياسي الذي يلتقط أنفاسه بعد إعلان النتائج الأولية، لا يبدو تأخر الكتل في التوجه نحو تسمية رئيس الوزراء الجديد مجرد خطوة بطيئة، بل جزءاً من حسابات أوسع تُدار بهدوء خلف الأبواب المغلقة. فالتريث، كما يصفه خبراء سياسيون، يكشف عن مرحلة إعادة ترتيب داخلية لم تكتمل، حيث تراقب القوى موازين البرلمان المقبل وتختبر ردود الفعل الإقليمية والدولية قبل أي إعلان رسمي.
المرحلة الحالية: ترقب وضمانات
الخبير في الشؤون الاستراتيجية حسين الاسعد قال إن "تأخر الكتل والأحزاب السياسية في مباشرة الحوارات الخاصة باختيار رئيس الوزراء الجديد بعد إعلان النتائج الأولية لانتخابات مجلس النواب العراقي يطرح جملة من الدلالات السياسية ويعكس حالة من الترقب والبحث عن ضمانات أوسع لكل طرف قبل الدخول في تفاهمات رسمية". وبيّن أن "الهدوء الحالي لا يعني غياب الحراك السياسي، بل يشير إلى أن أغلب القوى تنتظر المصادقة على النتائج وتحسن وضوح موازين القوى داخل البرلمان المقبل".
حركة خفية وتحالفات مؤجلة
وبحسب مراقبين، فإن المشهد الحالي لا يخلو من حركة خفية. فالقوى التي حصدت مقاعد مؤثرة تتعامل بحذر شديد كي لا تدخل في تحالفات مبكرة تتحول إلى عبء لاحقاً، فيما الكتل التي حققت نتائج متوسطة تترقب الاتجاه العام قبل أن تمنح أي طرف ثقلاً حاسماً. وتشير مصادر سياسية مطلعة إلى أن بعض القوى تعمد إلى تأجيل التفاوض بانتظار معرفة شكل اصطفاف الكتل الشيعية والسنية والكردية، وهو ما سيحدد ملامح الطريق نحو اختيار رئيس الحكومة.
تجارب السنوات الماضية وتأثيرها
ويشير محللون سياسيون إلى أن تجارب السنوات الماضية ما تزال تلقي بظلالها على قرارات اللحظة. فالتسرع في إعلان التحالفات، ثم انهيارها قبل الوصول إلى جلسة البرلمان الأولى، خلق حالة من الحذر لدى كثير من القوى، خصوصاً مع تقارب أعداد المقاعد وتغير مواقع بعض الكتل من الموالاة إلى المعارضة المحتملة.
تعقيدات المشهد الحالي
الاسعد يؤكد هذا المعنى بقوله إن "الكتل تحاول تفادي تكرار التجارب السابقة التي شهدت اندفاعاً مبكراً نحو إعلان التحالفات ثم تراجعاً عنها لاحقاً، ما تسبب بارتباك سياسي وتعطيل لتشكيل الحكومة". ويرى أن المشهد الحالي "أكثر تعقيداً من الدورات الماضية بفعل تقارب القوى وغياب الكتلة المهيمنة".
العوامل الخارجية وتأثيرها
أما المعطى الخارجي، الذي لا يمكن فصله عن تشكيل أي حكومة عراقية، فيحضر بقوة في خلفية المشهد. إذ تفيد تقديرات سياسية بأن بعض القوى تفضل انتظار ما قد يصدر من واشنطن وطهران، إضافة إلى مراقبة رسائل العواصم الخليجية والأنقرة، قبل اتخاذ خطوة تحدد شكل السلطة التنفيذية المقبلة. ويرى محللون أن هذه المرحلة تشبه "فترة جس نبض" أكثر من كونها انطلاقة فعلية للمفاوضات.
التأثير على تشكيل الحكومة
وبرغم هذا التوقف، لا يرى الاسعد في الأمر مؤشراً على أزمة، قائلاً إن "تأخر الحوارات لا يعني بالضرورة وجود أزمة سياسية، بل ربما يعكس رغبة في الوصول إلى اتفاقات رصينة قبل الشروع في التوقيتات الدستورية"، متوقعاً أن تشهد الأيام المقبلة "لقاءات أولية تمهد لمسار تشكيل الحكومة".
الاستنتاج
وبحسب مراقبين، يبدو أن الطريق نحو الحكومة المقبلة لن يُرسم بسرعة، وأن صمت الكتل لا يقل أهمية عن ضجيج المفاوضات التي ستأتي لاحقاً. فالعراق يقف أمام مرحلة إعادة تشكيل معادلاته الداخلية، حيث تحاول القوى تجنب الخطأ الأول، لأنه قد يكون الخطأ الذي يحدد شكل السنوات الأربع المقبلة.

