توتر إقليمي: زيارة قاني لبغداد بين الرواية الرسمية والقراءات الأمنية
فيما نفت أوساط سياسية وجود أي خطوط حمراء أمام دخول قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاني إلى بغداد، كشفت مصادر مطلعة أن ملف حضوره الأخير تحول إلى ساحة شدّ بين الرواية الرسمية ومسار المعلومات الاستخبارية، في ظل تصاعد التوتر الإقليمي بين طهران وتل أبيب والوجود الأمريكي في العراق.
العلاقات بين بغداد وطهران
عضو الإطار التنسيقي، عدي عبد الهادي، قال إن "العلاقات بين بغداد وطهران تُعدّ علاقات استراتيجية، لا سيما في ظل وجود اتفاقية أمنية ومصالح متبادلة ومتعددة العناوين"، مضيفاً أن "قيادتي البلدين تؤمنان بأن التضامن وفق مبدأ المصالح المشتركة هو ما يعزز آلية التبادل في مختلف المجالات". وأكد أن "الجنرال إسماعيل قاني يُعدّ من القيادات الإيرانية البارزة، وحضوره إلى بغداد في أي وقت لا يخضع لأي خطوط حمراء أو فيتو كما تروج بعض التقارير الغربية أو منصات التواصل الاجتماعي".
تحليلات أمنية
لكن مصادر مطلعة تحدثت عن "فيتو أمريكي-إسرائيلي غير معلن" على تواجد قاني داخل العراق، بوصفه هدفاً استخبارياً ذا أولوية لكل من واشنطن وتل أبيب، مشيرةً إلى أن أي تحرّك ميداني له خارج إيران "يخضع لتقديرات دقيقة للغاية بعد اغتيال سلفه قاسم سليماني في مطار بغداد عام 2020". وأضافت المصادر أن الحديث عن زيارات متكررة لقاني إلى بغداد "يُستخدم أحياناً كأداة تعبئة معنوية داخل الأوساط الموالية لطهران، أو كرسائل متعمدة لبث روح الحماس بين الفصائل في العراق وإرباك أجهزة الرصد الأمريكية".
التوتر الإقليمي
تحليلياً، يرى مراقبون أن هذا التناقض بين الخطاب السياسي والقراءات الأمنية يعكس طبيعة المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها العراق، حيث يتقاطع النفوذ الإيراني مع الحذر الأمريكي في مساحة ضيقة تفرض على الحكومة العراقية إدارة توازن بالغ الحساسية. فبينما تؤكد بغداد تمسّكها باتفاقية التعاون الأمني مع طهران، تسعى في الوقت ذاته إلى تفادي أي تصعيد ميداني قد يُعيد شبح الاغتيالات أو يُفسّر كرسالة تحدٍّ لواشنطن.
الصراع الأمريكي-الإيراني
وفي سياق أوسع، يقرأ محللون تصاعد الجدل حول تحركات قاني في ضوء التحوّل الأمريكي الأخير تجاه إيران، خصوصاً بعد "ضربة فوردو" التي أعادت التلويح بالخيار العسكري إلى طاولة البيت الأبيض. فإدارة ترامب –التي عادت لتتبنّى نهج "الردع بالقدرة"– باتت ترى في أذرع فيلق القدس امتداداً مباشراً لبرنامج إيران النووي، لا مجرد أدوات نفوذ إقليمي.
الملف العراقي
داخلياً، يتقاطع ملف قاني مع لحظة سياسية حساسة، حيث تستعد القوى الشيعية لخوض انتخاباتٍ تحمل ملامح صراع نفوذ أكثر منها منافسة برلمانية. فالإيحاء بوجود القائد الإيراني في بغداد يُعيد إنتاج صورة "المظلّة الحامية" التي تستند إليها بعض الفصائل في مواجهة الضغوط الأمريكية، فيما تستخدمه أطراف أخرى لتأكيد استقلالها عن القرار الإيراني. بهذا المعنى، لا يعود الحديث عن قاني مسألة تحرك ميداني، بل أداة لتأطير الخطاب السياسي الشيعي بين جناحين: جناح يرى في طهران مصدر الشرعية، وآخر يحاول انتزاعها من داخل الحدود العراقية.
الخلاصة
وفي المحصلة، تشير المعطيات إلى أن الحديث عن زيارة قاني لبغداد يبقى سياسياً أكثر من كونه واقعة ميدانية. فالمعلومات الأمنية لا تؤكد أي حضور فعلي له، فيما تؤدي التسريبات دوراً في رفع المعنويات داخل الأوساط الموالية لإيران وإرسال رسائل ضغط إلى واشنطن. بينما تواصل الحكومة العراقية سعيها للحفاظ على توازنها الدقيق بين طهران وواشنطن، يبقى ملف قاني اختباراً مستمراً لقدرة بغداد على إدارة التداخل بين الأمن والسيادة، ولحدود تأثير الصراع الأمريكي-الإيراني داخل المشهد العراقي.

 
									 
					

