العمال الأجانب في العراق: economي ظلّ يهدد السوق والبيئة الأمنية
مقدمة
على مدار سنوات، لم يكن الحديث عن العمالة الأجنبية في العراق أكثر من سطر جانبي في تقارير وزارة العمل، يُذكر كإحصاء إداري أو مشكلة ثانوية يمكن تأجيلها. ومع ذلك، ما كشف عنه مركز العراق لحقوق الإنسان قلب المعادلة إلى العلن، ووضع الدولة أمام واحد من أكثر ملفاتها حساسية وتعقيداً: أكثر من مليون عامل أجنبي يعيشون ويعملون داخل البلاد، معظمهم بلا تصاريح، بلا عقود، وبعيداً عن أي نظام يحكم وجودهم أو يحمي حقوقهم.
العدد الحقيقي للعمال الأجانب
هؤلاء لا يعرف عددهم بدقة، ولا مواقع عملهم، ولا حتى هوياتهم القانونية، في بلد ما زال يكافح لتسجيل أبنائه في منظومة العمل الوطنية. يدخل بعضهم بتأشيرات دينية أو سياحية، وآخرون عبر مكاتب استقدام غير مرخصة، ثم يستقرّون في ورش البناء والمطاعم والمصانع والأحياء السكنية، ليصبحوا جزءاً من اقتصادٍ موازٍ يعمل في الظل ويموّل نفسه خارج الدولة.
الفجوة بين القانون والواقع
مع كل حملة حكومية لتصحيح الأوضاع، يتكشف حجم الفجوة بين القانون والواقع: قوانين صارمة لا تُطبق، ووزارات تُعلن أرقاماً لا أحد يثق بدقتها، ومكاتب استقدام تُدار كواجهات تجارية بلا ترخيص، لتتحول العمالة الأجنبية من ملف إداري إلى منظومة اقتصادية خفية، يتحرك داخلها المال والناس بعيداً عن أي رقابة أو مساءلة.
الأرقام الرسمية
يقول رئيس المركز علي العبادي في حديثه: “العراق يواجه وضعاً مقلقاً في هذا الملف، إذ تشير الأرقام إلى وجود أكثر من مليون عامل أجنبي يقيمون ويعملون بشكل غير قانوني، خارج سجلات وزارة العمل.” ويضيف أن "العدد المسجل رسمياً يتراوح بين 40 و70 ألفاً فقط"، أي أن نحو 95 بالمئة من العمال الأجانب يعيشون في الظل، ما يخلق ثغرة قانونية واقتصادية قد تتحول إلى قنبلة اجتماعية إذا لم تُعالج سريعاً.
المخاطر على المجتمع العراقي
العبادي حذر من “ارتدادات خطيرة” على المجتمع العراقي، تتراوح بين فقدان فرص العمل للمواطنين، وتزايد شبكات الاتجار بالبشر، وارتفاع معدلات الخداع والاستغلال، إضافة إلى أبعاد أمنية بدأت ملامحها بالظهور في المدن الكبرى.
الاقتصاد الظلي
تقول البيانات الرسمية إن عدد العمال الأجانب الذين حصلوا على تصاريح عمل رسمية يبلغ 43 ألفاً فقط، فيما تشير تقارير دولية إلى أن العدد الفعلي يتجاوز المليون عامل، يعمل معظمهم في البناء، والخدمات، والمطاعم، والحراسة، والمهن المنزلية. الظاهرة لم تعد مرتبطة فقط بحاجة السوق، بل تحولت إلى اقتصاد ظل متكامل. فكل عامل غير مسجل يعني مالاً لا يُراقَب، وضرائب لا تُجبى، وحقوقاً لا تُكفل.
الخسائر المالية
تقرير صادر عن MosulTime قدّر تحويلات هؤلاء العمال إلى الخارج بنحو 5 مليارات دولار سنوياً، ما يجعلهم من أكبر مصادر خروج العملة الصعبة من البلاد بعد تجارة النفط نفسها. لكن خلف الأرقام تكمن معادلة أبسط وأخطر: كل عامل أجنبي يعمل في الظل يعني عراقياً بلا وظيفة في النور.
القانون والتنفيذ
ينص قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015 على أنه “لا يجوز تشغيل أي عامل أجنبي قبل الحصول على تصريح من وزارة العمل”، كما يحظر على العامل “مباشرة أي عمل قبل حصوله على التصريح”. لكنّ هذا القانون الذي كُتب بعناية، يُطبَّق بانتقائية. لا قاعدة بيانات موحدة بين الداخلية والعمل، ولا آلية إلكترونية تُظهر العامل الذي دخل بتأشيرة سياحة ثم أصبح عامل بناء في اليوم التالي.
الحلول المقترحة
توصي منظمة العمل الدولية (ILO) ومنظمة الهجرة الدولية (IOM) وبعثة الاتحاد الأوروبي في بغداد بإنشاء قاعدة بيانات وطنية شاملة، وآلية شكوى متعددة اللغات، وتدريب المفتشين على التعامل مع العمال المهاجرين وفق معايير الحماية الدولية. ورغم إشادة محدودة بالإجراءات العراقية الأخيرة، إلا أن أغلب التقارير تصفها بأنها “ردود فعل متفرقة”، لا ترتقي إلى مستوى استراتيجية وطنية.
الخلاصة
في بلد يُعد من أغنى دول المنطقة بالنفط والموارد البشرية، يبقى وجود مليون عامل أجنبي غير مسجل علامة على اختلال عميق بين القانون والتطبيق، بين الدولة ومؤسساتها. العمالة غير النظامية ليست مجرد ظاهرة اقتصادية، بل مرآة لمدى قدرة العراق على إدارة حدوده، وأسواقه، وحقوق الإنسان على أرضه.

 
									 
					

