العقد الأمريكي لمطار بغداد: تحديث أم حصان طروادة للنفوذ الغربي؟
خلفية العقد
تعتبر الخطوة التي اتخذتها الحكومة العراقية بموافقة مجلس الوزراء على عقد تشغيل وتطوير مطار بغداد الدولي مع ائتلاف يضم شركة "كوربروسيون أمريكا للطيران" وشركة "أمواج العالمية" إحدى الإجراءات الهامة التي تهدف إلى تحديث البنية التحتية للمطار. هذا العقد يهدف إلى زيادة طاقة المطار الاستيعابية إلى 9 ملايين مسافر في المرحلة الأولى، و15 مليوناً في الثانية، دون أي كلفة مباشرة على الدولة.然而، يraise هذا العقد أسئلة كثيرة حول الأبعاد الخفية للصفقة، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضًا من الناحية الأمنية والسياسية.
تجربة مطار رفيق الحريري الدولي في لبنان
تجربة مطار بيروت توفر خلفية هامة لفهم الأبعاد المحتملة للعقد الأمريكي لمطار بغداد. قبل أعوام، شهد مطار بيروت تحولات دراماتيكية عقب تقارير دولية عن استخدامه ممراً لرحلات إيرانية يُعتقد أنها كانت تنقل أموالاً أو معدات مرتبطة بحزب الله. استجابةً لضغوط أمريكية وإسرائيلية، أطلقت الحكومة اللبنانية خطة سيطرة مباشرة على المطار، بما في ذلك عمليات تفتيش صارمة، ومنع الرحلات المباشرة من طهران ودمشق، وإقصاء عدد من الموظفين المرتبطين بحزب الله، وتدشين تقنيات مراقبة حديثة تديرها شركات غربية. هذه الإجراءات كانت تهدف إلى "إغلاق المنفذ الجوي" أمام أي دعم لوجستي للحزب، وترسيخ مبدأ أن المجال الجوي اللبناني يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة وليس الجماعات المسلحة.
رؤية الخبراء
يرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية علي ناصر أن الاستثمار الأمريكي في مطار بغداد "قد يُقرأ بأكثر من زاوية". يعتقد ناصر أن تطور الاستثمار في العراق ليشمل قطاعات حساسة مثل النقل يشير إلى رغبة الحكومة في تحديث البنية التحتية وفق معايير عالمية، لكن حساسية موقع مطار بغداد تجعل من الطبيعي أن تتصاعد التساؤلات السياسية والأمنية حول أبعاده. يضيف ناصر أن العقد مع ائتلاف كوربروسيون أمريكا للطيران وأمواج العالمية هو من أفضل العقود منذ عام 2003 من ناحية التطوير والشفافية، لكن وجود شركة أمريكية في هذا الموقع المهم يفتح باب التأويل، خاصة في ظل التحولات الإقليمية الأخيرة.
التحديات المستقبلية
يحدد ناصر أن الحديث عن "تكرار تجربة لبنان" ليس بعيداً تماماً، لكن التطبيق العراقي سيبقى رهناً بالتوجهات السياسية بعد الانتخابات، وبمدى استعداد الحكومة المقبلة لتوسيع الدور الرقابي الأمريكي على المطارات العراقية الأخرى. يتابع قائلاً: "إذا لم تُرافق هذه الاتفاقات مشكلات أمنية أو سياسية، فإنها ستُعد خطوة إنمائية ناجحة، لكن إذا ارتبطت بتوجهات لتقييد الرحلات أو حركة المواد المرتبطة بفصائل مسلحة، فقد تتحول إلى نقطة صراع داخلي شديدة الحساسية".
الاستنتاج
تجربة بيروت تُظهر أن الشراكات المدنية قد تتحول إلى أدوات ضبط سياسي إذا تبدلت موازين القوى. أما في بغداد، فما زال المسار في بدايته، والموازنة بين التنمية والسيادة هي التحدي الأكبر. يبقى السؤال معلقاً: هل سيظل مطار بغداد مشروعاً استثمارياً صرفاً، أم أنه سيتحوّل إلى مطارٍ تحت المجهر الأمريكي؟

