العراق نحو انتخابات تشرين الثاني: مشهد سياسي مكتظ بالتفاهمات الخفية
يتقدم العراق نحو انتخابات تشرين الثاني وسط مشهد سياسي مكتظّ بالتفاهمات الخفية أكثر مما تحكمه صناديق الاقتراع. فبين الأحاديث عن تغيير وجوه السلطة وإصلاح النظام السياسي، تتكشّف ملامح مرحلة جديدة لا تقوم على الصراع العسكري ولا الاحتلال المباشر، بل على هندسة الدولة من الداخل عبر أدوات المال والتسويات.
تسريبات متقاطعة عن الخط الأحمر السياسي
تُظهر تسريبات متقاطعة أن سبعة إلى ثمانية مناصب سيادية أساسية أُدرجت ضمن ما يسمى "الخط الأحمر السياسي"، بحيث لا يُسمح بالاقتراب منها إلا بتفاهم عراقي – أمريكي مسبق، يشمل الرئاسات الثلاث ومواقع أمنية عليا وهيئات رقابية حساسة. ويُقال إن هذا التفاهم يهدف إلى "تحييد الدولة عن الفوضى"، لكنه في جوهره يمثل تكريساً لمرحلة وصاية ناعمة تتقاطع فيها مصالح الداخل والخارج.
مشروع أمريكي لإدارة التحولات العراقية
وفي خلفية هذه التفاهمات، تتنامى إشارات عن مشروع أمريكي لإدارة التحولات العراقية بطريقة مالية لا عسكرية، حيث يتحول المال إلى أداة ضبط سياسية، والاقتصاد إلى ساحة نفوذ صامتة. وفي خضم هذه التحولات، عادت إيران إلى الساحة بقوة عبر قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، الذي وصل بغداد قبل أيام وأجرى سلسلة اجتماعات مكثفة مع قادة أحزاب وفصائل نافذة.
تعيين رجل الأعمال الأمريكي مارك سافايا مبعوثاً خاصاً
جاء تعيين رجل الأعمال الأمريكي من أصول عراقية مارك سافايا مبعوثاً خاصاً إلى بغداد ليضيف بعداً تنفيذياً لهذه المعادلة. فالمبعوث الذي يوصف في الصحافة الأمريكية بأنه “ملك القنّب في ديترويت”، وصل بمهمة تتجاوز الدبلوماسية التقليدية نحو متابعة ملفات التمويل والنفوذ والتحضيرات للانتخابات المقبلة.
الصراع بين القوى المحلية والخارجية
أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي قال إن "اختيار الرئاسات الثلاث والمناصب الحساسة في الدولة العراقية مرتبط دستورياً بإرادة العراقيين أنفسهم وما تفضي إليه اختياراتهم الانتخابية، لكن الواقع السياسي خلق أعرافاً تتجاوز الدستور، وأبرزها المحاصصة المكوناتية التي فتحت الباب لتدخلات إقليمية ودولية مباشرة في الشأن الداخلي".
مبادرة أمريكية لملف الفساد المالي والإداري
المصادر التي تحدثت لـ"بغداد اليوم" كشفت أيضا عن عن مبادرة أمريكية غير مسبوقة تتعلق بملف الفساد المالي والإداري، تقوم على مبدأ "الاسترداد مقابل التسوية"، وتسمح للمتورطين بإعادة ثلاثة أرباع ما نهبوه من المال العام مقابل الاحتفاظ بنسبة 20% والمغادرة من المشهد السياسي بهدوء.
اقتصاد العراق ساحة新的 للصراع
تُجمع قراءات متعددة على أن الولايات المتحدة تسعى لتقليص حضورها العسكري مقابل تعزيز سيطرتها المالية على الداخل العراقي، مستخدمةً أدوات القرن الحادي والعشرين: الرقابة، التمويل، والعقوبات الذكية. فالاقتصاد العراقي، كما يصفه الخبير الأمني محمد علي الحكيم، أصبح "الساحة الجديدة للصراع"، حيث تتحول البنوك إلى أدوات نفوذ، والتحويلات إلى رسائل سياسية، وسعر الدولار إلى أداة عقاب أو مكافأة.
إعادة تعريف السيادة في العراق
في المحصلة، لا يبدو أن العراق مقبل على تغيير جذري في الوجوه أو السياسات، بقدر ما يواجه إعادة ترتيب دقيقة لمراكز القوة تحت إشراف خارجي مزدوج. واشنطن تُعيد ضبط مفاتيح الدولة عبر المال، وطهران تُحافظ على توازنها عبر الولاءات، فيما يبقى الداخل العراقي ساحة مفتوحة لتجريب كل أشكال النفوذ الممكنة. وبين تسوية الفاسدين وتحييد المناصب وتدوير النخب، يُعاد تعريف السيادة في العراق لا بوصفها استقلالاً، بل قدرة على البقاء ضمن ميزان الآخرين دون السقوط الكامل في أحد كفّتيه.

