الحرب الروسية الأوكرانية: العراقيون بين الفقر والقتال
التجنيد الممنهج: من بغداد إلى دونباس
في زمن تتداخل فيه خطوط الحرب والسياسة، يتحول العراقيون من ضحايا لصراعات داخلية إلى وقود لصراع خارجي بعيد عن حدود بلادهم. من موسكو إلى دونباس، ومن بغداد إلى النجف، يمتدّ خيط واحد يربط بين الفقر والاحتيال والتجنيد الممنهج، في حربٍ ليست للعراق فيها مصلحة ولا موقف، لكنها تكشف هشاشة الواقع الاقتصادي والأمني الذي جعل شباباً عراقيين يبحثون عن المال ولو في جبهات الموت.
الأسباب والدوافع
يقول النائب عامر الفايز، عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، إنّ “انخراط بعض الشباب العراقي في الحرب الروسية الأوكرانية جاء نتيجة إغراءات مالية، وتم بمحض إرادتهم وليس نتيجة ضغوط من أي جهة”. ويضيف أنّ “من يرغب منهم بالعودة يمكنه التقديم بطلب رسمي إلى السفارة العراقية في موسكو، التي ستتولى متابعة ملفاتهم وتقديم المساعدة اللازمة وفق السياقات القانونية”.
الأعداد المشاركة
رغم أن النائب الفايز يقلل من حجم المشاركة، فإن تقارير صحفية تشير إلى أن ما لا يقل عن خمسة آلاف عراقي جُنّدوا منذ عام 2022 عبر وسطاء وشركات وهمية في بغداد والبصرة والنجف. وأما Amwaj Media فتؤكد أن بعضهم جرى استدراجهم بعقود “وظائف مدنية في روسيا” قبل أن يُجبروا على القتال.
التطورات الأخيرة
في أيلول الماضي، أصدرت محكمة في النجف حكماً بالسجن المؤبد على مواطن عراقي بتهمة “تجنيد وإرسال مقاتلين لصالح روسيا”, في سابقة اعتبرها المراقبون تحولاً جذرياً في التعاطي مع الظاهرة، حيث صنّفتها المحكمة ضمن جرائم الاتجار بالبشر لا كأفعال فردية.
التحقيقات الدولية
كشفت مصادر أوروبية مطّلعة أن عدة دول في الاتحاد الأوروبي فتحت تحقيقات بشأن تورط نائب عراقي في عمليات تجنيد مشبوهة يُشتبه بأنها كانت واجهة لعمليات غسيل أموال وتمويل غير مشروع مرتبطة بالحرب الروسية – الأوكرانية. وبحسب التسريبات، فإن التحقيقات تُركّز على تحويلات مالية نُفّذت عبر شركات في أوروبا الشرقية يُعتقد أنها مملوكة لوسطاء على صلة بالنائب المذكور.
التحديات والخلاصات
الملف لم يعد إنسانياً أو قانونياً فحسب، بل اكتسب بُعداً سياسياً ودبلوماسياً حساساً. فمشاركة عراقيين في حربٍ تخوضها روسيا تضع بغداد في موضع حرج بين موسكو وواشنطن، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية تضغط على الحكومات لمنع رعاياها من القتال إلى جانب القوات الروسية. كما يثير الملف مخاوف أمنية داخلية، إذ قد يعود بعض هؤلاء المقاتلين بخبرات قتالية متقدمة أو ارتباطات خارجية، ما يجعلهم عنصراً خطراً في المشهد العراقي الهش.

