فنزويلا هي إحدى دول أميركا اللاتينية الغنية بمواردها الطبيعية من النفط الخام والغاز الطبيعي، وعضو مؤسس ورئيسي في منظمة «أوبك» المصدّرة للبترول، وتتصدّر قائمة الدول النفطية العشر الكبرى في العالم؛ إذ تمتلك ما يُقدّر بنحو 3.3 مليار برميل، ومع ذلك يشهد اقتصادها منذ القرن الحادي والعشرين تدهوراً متسارعاً وانهياراً شاملاً، أدّى بحلول عام 2024 إلى وقوع أكثر من 80 في المائة من السكان، وإلى نحو 90 في المائة في عام 2025، تحت خط الفقر، وسط أزمة إنسانية ونقص حادّ في الغذاء والدواء، مع تدهور في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.
في عام 2025، واجهت فنزويلا تحدّيات سياسية جذرية ظهرت جليّة في توتّرات بين الحكومة والمعارضة بشأن السياسات الاقتصادية والحوكمة وحقوق الإنسان، إلى جانب السياسات السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة، أضف إلى ذلك العقوبات الاقتصادية والضغوط الدولية، بخاصة الأميركية، التي فاقمت الوضع وزادت الأزمة حدّة مع عدم الاعتراف برئيس جمهوريتها الحالي نيكولاس مادورو.
في عام 2010، خلال رئاسة هوغو تشافيز، بدأت أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، واستمرّت في ظلّ رئاسة مادورو. وهي إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخ فنزويلا، وإحدى أسوأ الأزمات في الأميركتين – أميركا الشمالية، وأميركا اللاتينية – تجلّت في تضخّم جامح بلغ 180 في المائة، ونسبة نمو 4 في المائة، وناتج محلي إجمالي بلغ 108.5 مليار دولار أميركي (وفقاً لصندوق النقد الدولي عام 2025)، ونسبة بطالة بلغت 5.5 في المائة (بحسب منظمة العمل الدولية عام 2024)، ونقص حاد في السلع الأساسية، وتحكّم في الأسعار، واعتماد على النفط في الإنفاق، وبطالة وجوع ومرض، إلى عدد الوفيات والهجرة المرتفعة. وقد ذكر المراقبون والاقتصاديون أنها ليست نتيجة كارثة طبيعية أو صراع داخلي أو خارجي، بل هي بسبب السياسات الشعبوية التي بدأت في ظل الثورة البوليفارية لإدارة تشافيز، واستمرّت مع الحزب الاشتراكي الموحّد الفنزويلي، وما زالت مستمرة حتى الآن.
منذ عام 1999 من الوقت الراهن، اتبع الرئيسان هوغو تشافيز ونيكولاس مادورو سياسة اقتصادية أدت إلى هذا الوضع. فبدلاً من ادّخار بعض المال للأوقات العصيبة خلال فترات الرخاء، على غرار ما تفعله عادةً الدول الأخرى المصدّرة للنفط، عانت الحكومة الفنزويلية من عجز مالي وتجاوز الإنفاق الحكومي من دخل الضرائب والإيرادات الأخرى لتمويل هذا العجز، وبادرت الحكومة برفع الدَّين الخارجي ستة أضعاف تقريباً من خلال تحميل شركة النفط المملوكة من قِبل الدولة والحكومة بالتزامات تزيد على 100 مليار دولار أميركي.
وما فاقم المشكلة وزاد من خطورتها طباعة البنك المركزي للأوراق النقدية من أجل تمويل عجز الحكومة، وهي سياسة نقدية خطيرة تسبّب تضخماً كبيراً.
توّجت زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، البالغة من العمر 58 عاماً، بجائزة «نوبل للسلام» نتيجة نضالها كما تقول اللجنة، من أجل الديمقراطية. وجاء في بيان اللجنة النرويجية أن ماتشادو حصلت على الجائزة لـ«ترويجها للحقوق الديمقراطية من أجل تحقيق انتقال عادل وسطي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية». فعبّرت ماتشادو عن اعتزازها بهذا التكريم قائلة: «إنه يعزز مهمة الشعب الفنزويلي في سبيل الحرية»، مشيرة إلى «امتنانها للرئيس دونالد ترمب على دعمه لها».
وأردفت ماتشادو، التي لا يُعرف مكان إقامتها منذ أكثر من عام بعد التهديدات المباشرة التي تعرّضت لها، قائلةً: «هذا النظام الذي خرجنا للتظاهر والاحتجاج ضده… لقد تعرّضنا للقمع واعتدوا علينا. خضنا الانتخابات وانتصرنا، فسُرقت منا نتيجة الانتخابات. لكن سيضطر النظام للتنازل». لكن المشكلة أنها قالت بملء فمها إنها ستطلب الاستنجاد بالخارج موضحة أنه «لم يعد لدينا سوى التنسيق بين القوى الداخلية والخارجية لمواجهة المنظومة الإجرامية الحاكمة». في الوقت الذي يرى فيه الرئيس مادورو أنَّ المعارضة هي مطية للخارج وتعمل ضد مصلحة الشعب الفينزويلي.
لم تكن العلاقة على ما يُرام بين الولايات المتحدة وفنزويلا. ففي عام 2014 وقّع الرئيس باراك أوباما على قانون يفرض عقوبات على الأفراد الفنزويليين الذين تحمّلهم الولايات المتحدة مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان والقمع. وفي عام 2015 أصدر أمراً رئاسياً أعلن فيه أن فنزويلا تشكّل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وأمر وزارة الخزانة بحجز أصول وممتلكات بعض الأشخاص.
أما في عام 2017 ففرضت إدارة الرئيس ترمب عقوبات منعت فنزويلا من الوصول إلى الأسواق المالية الأميركية. وفي عام 2018 أصدرت قراراً بمنع شراء الديون الفنزويلية، ثم فرض الرئيس ترمب عقوبات مالية إضافية على فنزويلا ردّاً على انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان وأفعالها المناهضة للديمقراطية، كما يقول الأميركيون. ولكن، هل الحرب بين الرئيسين ترمب ومادورو هي حرب مخدّرات، أو حرب تغيير نظام، أو «حرب أميركا أولاً»؟ أو ماذا؟
في الواقع إنَّ أهم ما يهدف إليه الرئيس ترمب هو إعادة فنزويلا إلى حضن الهيمنة الأميركية، واستعادة السيطرة على ثرواتها، وبخاصة النفط؛ أي هيمنة جيوسياسية واقتصادية بامتياز. هل الهدف الأهم هو التخلّص من سيطرة وهيمنة مصالح منافسَيه اللّدودين: روسيا والصين على فنزويلا؟ فلنر ماذا سيحدث بين الجارتين اللدودتين؟

