تحذيرات من هدر مالي عبر الألعاب الإلكترونية: هل بات القطاع الرقمي الترفيهي قناة مالية موازية؟
سؤال على الطاولة
تضع تصريحات وزارة الداخلية بشأن تقدير هدر مالي بحوالي 100 مليون دولار جراء الإنفاق على الألعاب الإلكترونية سؤالاً ثقيلاً على الطاولة: هل تحوّل القطاع الرقمي الترفيهي إلى قناة مالية موازية تسمح بتمرير الأموال خارج الرقابة التقليدية؟
التحذيرات والخلاصات الدولية
التحذير، الذي أعاد إحياء نقاشات العامين الماضيين حول ربط المدفوعات الافتراضية بمخاطر غسل الأموال، يتقاطع مع قراءات دولية ترى أن الحدود بين اللعب والمال تتلاشى كلما تعمّقت اقتصاديات “العملات داخل اللعبة” ووسائط الدفع عبر منصات خارجية.
ربط الهويات والمعاملات
يعلّق الخبير في الشؤون الاقتصادية والأمن المالي ناصر التميمي خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، بأن إعلان الداخلية يصلح “كجرس إنذار مبكر” أكثر منه اتهاماً قطعياً، وأن معالجة الملف تمرّ بثلاث حلقات مترابطة: تتبّع مسارات الأموال رقمياً على مستوى وسطاء الدفع، ربط هويات المستخدمين الحقيقيّة برصيدهم الافتراضي داخل المنصّات، ثم اختبار مدى خضوع تلك المنصّات لمتطلبات “اعرف عميلك” والإبلاغ عن العمليات المشبوهة.
اقتصاديات العملات داخل الألعاب
يشير التميمي أن هذا القطاع “بات بيئة مالية موازية” لأن جزءاً معتبراً من المعاملات يتم عبر بوّابات دفع أجنبية أو متاجر تطبيقات ومنصّات وسيطة، ما يجعل التحويلات الصغيرة والمتكرّرة تتفادى رادارات الامتثال المصرفي المحلي، خصوصاً حين تُقسَّم (“structuring”) وتُعاد تدويرها ببيع أصول افتراضية ثم تسييلها في أسواق ثانوية.
الجريمة المالية عبر الألعاب
التقارير الشرطية الدولية تشير إلى مسارات متنامية لغسل الأموال عبر الاقتصاد الرقمي ـ من المقامرة غير القانونية إلى الإتجار بالأصول الافتراضية و”السكينات” والعملات داخل الألعاب ـ وتوثّق حملات ضبط واسعة ركّزت على جرائم مالية إلكترونية وشبكات مراهنة غير نظامية.
التنظيم والرقابة
يضع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015 الهيكل الوطني للامتثال والإبلاغ، ويُنشئ مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك المركزي العراقي، ويمنح المجلس المختص صلاحيات رسم السياسات وإصدار التعليمات. غير أن توسّع “الاقتصاد داخل اللعبة” خلق منطقة رمادية عند تقاطع اختصاصات البنك المركزي وهيئة الإعلام والاتصالات والجهات الأمنية.
توصيات ومقترحات
توصيات مجموعة العمل المالي (FATF) بشأن الأصول الافتراضية ومقدّمي خدماتها، تؤكد ضرورة الإلزام بمنهج قائم على المخاطر، وتطبيق “قاعدة السفر” على التحويلات الرقمية العابرة للحدود، وسدّ فجوات تسجيل مقدّمي الخدمات. ما يعني عملياً أن أي مقاربة عراقية فاعلة يجب أن تُنسّق بين الامتثال المصرفي التقليدي ومتطلبات تتبّع التحويلات الرقمية المصغّرة عبر مزوّدين خارجيين.
النقاش المحلي
تتزايد حدّة النقاش محلياً مع قرارات تنظيمية مستحدثة طالت بعض المنصّات، بينها حجب منصّة Roblox بدواعي السلامة الرقمية للأطفال، وهي خطوة تكشف حساسية الدولة تجاه العالم الافتراضي، لكنها لا تُغني وحدها عن مقاربة مالية–تقنية دقيقة لمسارات الدفع والشراء داخل الألعاب ومتاجر التطبيقات.
الخلاصة
تجارب دولية متفرّقة تظهر كيف تتسلل الجريمة المالية إلى منصّات اللعب: شراء عناصر افتراضية بأموال مسروقة ثم بيعها نقداً في أسواق خارجية؛ التبرّعات أو “الـBits” والعملات داخل المنصّات كقناة لتدوير بطاقات مسروقة؛ أو “تبييض” مبالغ صغيرة على نطاق واسع عبر آلاف المعاملات المجزأة. هذه الأنماط وثقتها تقارير امتثال مستقلة وإحالات شرطية، وهي وإن اختلفت من لعبة لأخرى، تشترك في الاعتماد على صعوبة ربط الهويّة الواقعية بالحسابات الافتراضية، وعلى سهولة التحويل بين متجر/محفظة ومنصّة/سوق ثانوية.

