أزمة التوظيف الحكومي في العراق
مقدمة
يشهد العراق واحدة من أعلى نسب التوظيف الحكومي في العالم العربي مقارنة بعدد السكان. هذا الواقع لا يُعدّ إنجازًا في حد ذاته، بل مؤشرًا على أزمة هيكلية في بنية الاقتصاد العام.
حجم التوظيف الحكومي
تضم مؤسسات الدولة العراقية أكثر من خمسة ملايين موظف حكومي، أي ما يتجاوز 11% من مجموع السكان. هذه الفجوة لا تعبّر فقط عن توسّع الجهاز الإداري العراقي، بل تكشف تحوّل الوظيفة العامة إلى أداة سياسية واجتماعية قبل أن تكون اقتصادية أو خدمية.
البطالة المقنّعة
يستخدمت الدولة العراقية الوظيفة العامة كوسيلة لشراء الولاء الاجتماعي، وربط شرائح واسعة من المواطنين بمصالح منظومة الحكم. هذا الاستخدام السياسي للوظيفة أنتج ما يُعرف بـ البطالة المقنّعة، حيث يشغل آلاف الموظفين مناصب بلا مهام فعلية، أو بأدوار مكرّرة داخل دوائر متضخمة إداريًا.
الإنفاق الحكومي
تستهلك الرواتب والأجور أكثر من 60% من الإنفاق الجاري وهي متصاعدة، ما يترك حيزًا ضئيلًا جدًا للإنفاق الاستثماري في مجالات مثل التعليم والبنى التحتية. هذا التوزيع المختل يُفرغ الموازنة من وظيفتها التنموية، ويحوّلها إلى أداة “إعالة جماعية”.
الحلول
تحدثت الحكومات المتعاقبة عن إصلاح إداري، لكنها لم تقترب من معالجة جوهر المشكلة: هيكلية التوظيف الزبائني التي تمنح الوظيفة كمكافأة سياسية أو توازن عشائري. يحتاج العراق إلى “إعادة توزيع” أكثر من “إلغاء وظائف”, أي تحويل الموارد من دوائر خاملة إلى قطاعات منتجة كالتعليم والصحة والطاقة النظيفة، مع تبنّي نظام تقييم أداء حقيقي للوظائف العامة.
الخلاصة
يختصر الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي جوهر الأزمة بقوله إن “الكلفة المترتبة على هذا المسار هائلة ومرهقة لمالية الحكومة، وهي السبب الرئيس في خلق العجز المالي وتوسع الدين العام”. الإصلاح الحقيقي يبدأ من سؤال بسيط: كم موظفًا يحتاجه العراق فعليًا لتسيير دولته؟ والإجابة، مهما كانت، لا بد أن تمرّ عبر إرادة سياسية تفصل بين الخدمة العامة والزبائنية، وبين الدولة كفكرة، والمنصب كغنيمة.

