لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من آليات هذا العصر، وفرض حضوره في شتى المجالات، وخاصة في مجال الصحافة والإعلام، فلا يمكن تجاهله، إذ جاء ليُحدث ثورة حقيقية في طرق إنتاج المحتوى، وتحليله، وتوزيعه، ما يضع الصحفي أمام تحدٍ حقيقي، فمَن يجهل هذه الآليات سيجد نفسه خارج نطاق العصر، وغير قادر على إنتاج محتوى يتماشى مع متطلبات المهنة الحديثة، بل إن احتمالية استبداله بأحد برامج الذكاء الاصطناعي باتت قائمة بالفعل.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يُعد أداة فعالة وغير مسبوقة في دعم الصحفي والإعلامي وتطوير أدائه، وأداة قوية يمكن أن تكون في صالح الصحفى والإعلامى، إلا أنه لا يمكن التغاضى عن التحديات التي يفرضها هذا التطور المتسارع، ويجب التعامل معه بوعى ومسؤولية، كى نضمن أن يبقى في خدمة الصحفى والإعلامى، لا العكس.
مواجهة هذا التحدي تُعد أمرًا في غاية الأهمية، ويجب أن تتصدر أولويات اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام المصرى، المشكلة بقرار من الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، لذا أضع أمامهم رؤية لمواجهة هذا التحدي وتعظيم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة وليس كمنافس.
أضع هذه الرؤية أمام لجنة “التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي”، التي أعلنت عنها اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام المصري، والتي تضم قامات صحفية وإعلامية كبيرة، هذه الرؤية تنبع من كوني أحد أبناء مهنة الصحافة، ومن جيل الشباب الذي يحتاج إلى كثير من الدعم والتدريب لمواكبة التغيرات المتسارعة في المجال.
تتضمن الرؤية إطلاق مشروع تدريبي موسّع، يشمل جميع العاملين بالمهنة، تحت مظلة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، ونقابة الصحفيين، لتدريبهم على استخدام آليات الذكاء الاصطناعي بكفاءة، هذا التدريب سيمكن الصحفيين من توظيف التقنية لصالحهم، وتعزيز إنتاجهم الصحفي دون الخوف من التهميش، لن يقتصر التدريب على الجوانب التقنية فقط، بل سيشمل أيضا تطوير مهارات إنتاج المحتوى الإبداعي والتحليلي، الذي لا يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاجه بمفرده، وذلك عبر التركيز على التحليل العميق، والقصص الإنسانية، والتحقيقات الاستقصائية، التي تتطلب حسًا إنسانيًا وفهمًا عميقًا للسياق.
لقد آن الأوان لإطلاق نقاش موسع داخل الوسط الصحفى والإعلامى، حول كيفية التكيف مع التغيرات التي طرأت على المهنة، والبحث عن صيغ بديلة للأقسام والمهام التي قد تتأثر أو تتقلص بفعل الذكاء الاصطناعي، خاصة مع بداية عمل لجنة تطوير الإعلام، والتي تضم ممثلين عن الهيئات الإعلامية ونقابتى الصحفيين والإعلاميين، هذا النقاش سيساعدنا على تحديد المجالات التي يمكن أن تتعاون فيها التقنية مع الصحفي، وتلك التي تحتاج إلى إعادة هيكلة، بما يضمن استمرارية العمل الصحفي وفاعليته، كما يجب أن تستمع لجنة تطوير الإعلام إلى أصوات الجيل الجديد من الصحفيين، والاطلاع على رؤاهم ومعاناتهم، لإعداد برامج ومبادرات حقيقية تلبي احتياجاتهم المهنية، وفي الوقت ذاته، لابد من العمل على وضع إطار أخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، لضمان الحفاظ على القيم الأساسية للمهنة، وعلى رأسها المصداقية والشفافية والحياد، دون أن تطغى عليها التقنية.
في الختام، يجب أن نجعل الذكاء الاصطناعي حليفًا للصحفي، وليس خصمًا، يمكننا تحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقة لتعزيز مكانة الصحافة المصرية، وضمان استمراريتها، فلنعمل يدًا بيد لبناء مستقبل مهني

 
									 
					

