الوضع الأمني في العراق: تقييمات متباينة
الوضع الأمني في العراق يبقى موضع اهتمام المجتمع الدولي، حيث أشار تقرير حديث للاتحاد الأوروبي إلى استمرار هشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق، خاصة مع استمرار هجمات فلول تنظيم داعش في محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين. هذه الهجمات، وإن كانت محدودة، تدل على بقاء البيئة الريفية الهشة كمصدر تهديد متكرر للأمن الداخلي.
تقييم الاتحاد الأوروبي للوضع الأمني
أشار التقرير إلى ضعف السيطرة الأمنية في المناطق المتنازع عليها، وتعدد القوى المسلحة ذات الولاءات المختلفة فيها. بعض الفصائل المسلحة المرتبطة بـ"الحشد الشعبي" تفرض نفوذًا ميدانيًا من خلال نقاط تفتيش غير رسمية، وتُمارس أحيانًا أنشطة ابتزاز للسكان المحليين. كما سجل التقرير استمرار حوادث القتل والخطف والابتزاز السياسي في المناطق المختلطة، معتبرًا أنها تمثل "إرثًا لم يجرِ احتواؤه بالكامل رغم الجهود الحكومية".
ردود الفعل على التقرير
رفضت لجنة الأمن والدفاع النيابية ما ورد في التقرير، مؤكدة أن توصيفه للوضع الميداني "يفتقر إلى الحياد" ولا يعكس حقيقة التحسن الأمني المستمر منذ سنوات. النائب ياسر إسكندر، عضو اللجنة، أشار إلى أن بعض التقارير التي تصدر من جهات غربية تتناول الشأن الأمني في العراق بلغة غير واقعية، وتصور البلاد وكأنها تعيش حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، في حين أن الحقيقة مختلفة تمامًا.
الواقع الأمني في العراق
أضاف إسكندر أن مستوى الطمأنينة في بغداد وبقية المدن العراقية هو الأفضل منذ عام 2003، وما يُنشر من تحليلات سوداوية يعتمد في الغالب على مصادر غير دقيقة أو يخدم أجندات سياسية معينة. الواقع الأمني المستقر دفع العديد من الشركات الغربية والآسيوية والعربية إلى القدوم للعراق والاستثمار فيه، ما يؤكد أن مرحلة الاضطرابات أصبحت من الماضي، وأن الإرهاب لم يعد سوى في أنفاسه الأخيرة.
المناطق المتنازع عليها: الثغرة الأمنية
التقرير الأوروبي يأتي في سياق متكرر لتقارير أمنية سابقة تناولت المناطق المتنازع عليها بوصفها "الثغرة الأكثر خطورة في المشهد الأمني العراقي"، نتيجة غياب التنسيق الكامل بين القوات الاتحادية والبيشمركة من جهة، وبين القوات المحلية والفصائل المسلحة من جهة أخرى. هذا التداخل في المسؤوليات جعل تلك المناطق ساحة مفتوحة أمام تحركات الجماعات المتطرفة، التي تستغل تضارب الصلاحيات وغياب الاستخبارات الموحدة لإعادة التموضع.
تحجيم قدرة داعش
مراقبون يرون أن الحكومة العراقية نجحت خلال العامين الأخيرين في تحجيم قدرة داعش على شن هجمات واسعة، عبر تكثيف العمليات الاستباقية وضبط الممرات الحدودية. إلا أن الطبيعة الجغرافية للمناطق الجبلية والزراعية ما زالت تمنح التنظيم قدرة على الاختباء والمناورة المحدودة، وهو ما يجعل المشهد الأمني أكثر تعقيدًا من مجرد تصنيفه بـ"مستقر" أو "منهار".
اختلاف في المعايير
يركز التقرير الأوروبي على بؤر التهديد، بينما تميل الرؤية الرسمية العراقية إلى عرض منجزات الاستقرار النسبي. هذه الازدواجية في المقاربة تعكس اختلافًا في المعايير بين الطرفين: فالأول ينظر من زاوية المخاطر المحتملة والتهديدات غير التقليدية، بينما الثاني يستند إلى حجم الاستثمارات الأجنبية وعودة السياحة كمؤشرات على الأمن.
استمرار التحديات الأمنية
يبقى العراق عالقًا في مرحلة انتقالية، يحاول فيها تثبيت استقراره وسط خريطة متحركة من الولاءات والمصالح الأمنية المتشابكة. التباين بين التقارير الغربية والموقف الرسمي العراقي يعكس اختلافًا في زاوية النظر أكثر مما هو خلاف على الوقائع. فبين من يقرأ الأمن من منظور الأرقام الميدانية ومن يقيسه بمؤشرات الطمأنينة العامة، يظل الوضع الأمني في العراق موضوعًا للنقاش والاهتمام المستمر.

