شرق الكونغو: «سلام مؤجل»… وتصعيد «متوسع»
تجسّدت تحركات مكثفة لإحياء مسار السلام في شرق الكونغو الديمقراطية في توقيع اتفاقيات بواشنطن والدوحة، ومثّلت هذه الخطوة بارقة أمل لإنهاء صراع ممتد منذ نحو 3 عقود. ولكن رغم هذه الجهود الدبلوماسية، يظل المشهد المحلي هشّاً، وسط تصعيد مستمر للهجمات المسلحة التي تعرقل أي خطوات حقيقية نحو الاستقرار.
تعقيدات كبيرة
يرى محمد تورشين، الخبير المتخصص في الشأن الأفريقي، أن تأجيل إنفاذ السلام في شرق الكونغو يعود إلى «تعقيدات كبيرة جداً، في إقليم كبير غني بالثروات، ويعاني من انقسامات حزبية وإثنية وقبلية، ناهيك من وجود تباينات كبيرة جداً في ضرورة تنفيذ هذا الاتفاق». ويوضح تورشين أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يكن فعالاً ومناسباً بالشكل الكافي، إذ وقعت مواجهات زادت هشاشة مسار السلام وتعقيداته على نحو ما نراه حالياً.
أسباب التأجيل المتكرّر
وبشيء من التفصيل، يعرب صالح إسحاق عيسى، المحلل السياسي التشادي المتخصص بالشؤون الأفريقية، عن اعتقاده بأن تأجيل السلام في شرق الكونغو الديمقراطية مرتبط بـ4 عوامل رئيسية، هي:
1- حالة انعدام الثقة بين الحكومة الكونغولية والمجموعات المسلحة، وبخاصة «حركة 23 مارس»، التي تُتهم بالحصول على دعم من رواندا، وهو ما تنفيه كيغالي.
2- كثرة الاتفاقات لا تُترجم بالضرورة إلى التزام فعلي، إذ توقَّع الاتفاقيات تحت ضغوط دولية، لكن على الأرض لا توجد آليات كافية لفرض تنفيذها أو لمحاسبة من يخرقها.
3- ثروات المنطقة الغنية بالمعادن النادرة تشكل وقوداً دائماً للصراع، حيث تتصارع القوى المحلية والإقليمية والدولية على النفوذ الاقتصادي، في ظل ضعف سيطرة الدولة المركزية.
4- الضغوط الداخلية في الكونغو تجعل الحكومة أحياناً تُفضّل الحلول العسكرية، أو التصعيد السياسي، لكسب دعم داخلي، بدلاً من الدخول في تنازلات تفاوضية قد تُفهم على أنها ضعف.
تجدّد التصعيد
المشهد في الكونغو مليء بمواجهات تتجدّد بين وقت وآخر، وتفاقمت في الأشهر الثلاثة الأخيرة. إذ سجّلت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، أحدث تلك الهجمات قبل أيام، مخلّفة 89 قتيلاً.
الاستقرار الكامل مستبعد هذا العام
في ضوء هذه التطورات، يتوقّع الخبير محمد تورشين ألا يشهد شرق الكونغو استقراراً كاملاً هذا العام، لكون المطامع الداخلية والخارجية كفيلة بتعطيل مساري واشنطن والدوحة الجادين، بحثاً عن مصالح لا يمكن تجاوزها بين ليلة وضحاها.
مسار المصالح
من ناحية ثانية، تفيد المصادر أن رواندا والكونغو الديمقراطية اتفقتا على مسوّدة إطار عمل بشأن توريد المعادن، تُعد جزءاً من اتفاق السلام الذي أبرم في واشنطن، يونيو الماضي، بهدف جذب استثمارات غربية بمليارات الدولارات إلى منطقة غنية بالمعادن كالذهب والكوبالت والنحاس والليثيوم. غير أن أحدها رجّح أن تعقد الكونغو ورواندا اجتماعاً قريباً لوضع اللمسات النهائية على إطار العمل الذي تناقش مسودته حالياً بين وكالات مانحة وقطاعات اقتصادية بالبلدين، وسيوقّعه رئيسا الدولتين لاحقاً.

