الذكرى السنوية لاستقلال العراق
التاريخ والرمزية
يُعد الثالث من تشرين الأول محطة مركزية في تاريخ العراق الحديث، إذ يمثل اليوم الذي أُعلن فيه استقلال البلاد عام 1932 وانضمامها إلى عصبة الأمم كأول دولة عربية تحظى بعضوية المنظمة الدولية. لم يكن هذا الحدث مجرد انتقال شكلي من الانتداب البريطاني إلى الاستقلال، بل لحظة تأسيسية رسخت حضور العراق كدولة ذات سيادة في النظام الدولي.
التأثير على الوعي الوطني
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، دخل العراق تحت الوصاية البريطانية وفق صك الانتداب. لكن مع بناء مؤسسات الدولة وتثبيت حدودها، تقدّم العراق بطلب الانضمام إلى عصبة الأمم عام 1932، ليصبح أول دولة عربية تدخل المنظمة الدولية كدولة مستقلة، بعد أن استوفت الحكومة العراقية آنذاك شروط الاعتراف الدولي بالسيادة. هذا التاريخ تحوّل إلى علامة فارقة في الوعي الوطني العراقي.
التحديد الدستوري والتشريعي
من الناحية القانونية، لم ينص الدستور العراقي بشكل صريح على تحديد يوم وطني، بل ترك الأمر للتشريع. وفي عام 2020 أقرّ مجلس النواب الثالث من تشرين الأول عيدًا وطنيًا رسميًا. تشير المداولات الدستورية إلى أن هذا التحديد يكتسب أهمية مضاعفة في بلد يعيش تعددية سياسية وطائفية، إذ يوفر إطارًا رمزيًا يوحّد الذاكرة الوطنية.
الاستثمار السياسي والاجتماعي
يُستثمر هذا اليوم لإبراز قيم السيادة والوحدة، وتذكير المكونات المختلفة بأن الدولة العراقية وُلدت من رحم الاعتراف الدولي، وأن الحفاظ عليها يتطلب توافقًا وطنيًا يتجاوز الانقسامات الفئوية. تتزامن ذكرى هذا العام مع فعاليات رسمية واسعة، إذ وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الوزارات والمحافظات كافة بإحياء المناسبة عبر رفع العلم وإقامة الأنشطة الثقافية والاجتماعية.
التحديات والآمال
يمثل 3 تشرين الأول لحظة إجماع معنوية في بلد يواجه تحديات بنيوية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. فهو مناسبة لتجديد الانتماء الوطني في مواجهة الانقسامات، وتذكير الأجيال بأن الدولة العراقية تأسست على قاعدة الاستقلال والسيادة. لكن هذه الرمزية، بحسب تقديرات بحثية، تبقى ناقصة ما لم تُترجم إلى سياسات عملية تعزز العدالة، وتستجيب لمطالب المواطنين، وتكرّس قيم المواطنة المتساوية.
الخلاصة
اليوم الوطني العراقي ليس مجرد يوم عطلة أو عرض احتفالي، بل هو اختبار متجدد للدولة في قدرتها على بناء وحدة وطنية راسخة. وإذا ما بقيت المناسبة محصورة في المراسم الشكلية، فإنها تفقد جزءًا من معناها الحقيقي. أما إذا جرى استثمارها في تعزيز الثقة بين المواطن والدولة، فإنها تصبح محطة لبناء هوية وطنية مشتركة قادرة على مواجهة الأزمات. إن العراق اليوم بحاجة إلى أن يجعل من يومه الوطني أكثر من ذكرى؛ ليصبح مشروعًا سياسيًا-اجتماعيًا متجددًا يؤكد أن السيادة والوحدة ليست شعارات، بل التزام وطني دائم.

