تاريخ طريق الحرير
يعتبر وصف تاريخ طريق الحرير الذي يعود لآلاف السنين مهمة شاقة، فهو يذكر بالصعوبات التي واجهها التاجر المسافر مع قافلته من الجِمال أثناء تنقلهم في مساحات صحراوية قاحلة شديدة الحرارة، وأعلى سلاسل جبال العالم، ويزداد هذا الأمر صعوبة لأن الطريق نفسه لم يكن امتداداً متواصلاً من الطرق، بل شبكة ضخمة من الطرق غير المعلمة والمتغيرة باستمرار.
أصل الاسم
ولم يكن طريق الحرير معروفاً حتى في العصور ما قبل الحديثة، واسمه الحالي الذي يتداول اليوم لم يأت مع أول قافلة بل ابتكر في القرن الـ 19 عندما كان الغرب مفتوناً بالشرق والمشرقيين، إذ أطلق عليه هذا الاسم الجغرافي الألماني فرديناند فون ريشتهوفن للمرة الأولى عام 1877، وأصبح كثير من طلاب ريشتهوفن مستكشفين بارزين على طول طريق الحرير، ومن بينهم سفين هيدين وألبرت غرونفيدل وألبرت فون لو كوك، إلا أن انتشار هذا الاسم ومعرفته على نطاق واسع كان عام 1936، عندما حمل كتاب سفين هيدين عن اكتشافاته في آسيا الوسطى عنوان "طريق الحرير".
شرق آسيا رأس
كان سر شرق آسيا الأعمق في العصور القديمة هو صناعة الحرير، وقد أدرك الأباطرة الصينيون الفرص الاقتصادية الهائلة التي ستتأتى من احتكار هذا المنتج الفاخر، فمنذ عهد المسيح تقريباً كان تصدير بيض دودة القز وبذور التوت من الصين محظوراً وعقوبته الإعدام، لكن الحرير لم يكن السلعة الوحيدة التي جلبت عبر طريق الحرير، فقد شملت السلع الأخرى المتداولة التوابل والشاي والمعادن النفيسة والملابس والحيوانات، والأهم من ذلك كله الورق، كما انتقلت أيضاً الأديان واللغات والتقنيات والعادات الثقافية وحتى الأمراض، عبر هذه الطرق.
تاريخ الطريق
ويبدأ تاريخ طريق الحرير بجدية في القرن الثاني قبل الميلاد مع دبلوماسي صيني يدعى تشانغ تشيان خلال عهد أسرة هان، إذ انطلقت هذه الشبكة بقوة، وفي عهد أسرة تانغ بين القرنين السابع والتاسع، كانت فترة ذهبية للتجارة مع ازدهار كبير وتواصل ثقافي متعدد، ولكن لم تكن هذه الشبكة نشطة دائماً بالطريقة نفسها، فقد كانت هناك فترات من النشاط العالي، ولا سيما بين القرن الثاني والثالث الميلادي، ثم بين القرنين السابع والـ 11، وغالباً ما تزامنت هذه الفترات مع استقرار الإمبراطوريات الكبرى، سواء في الصين أو الهند أو بلاد فارس أو بلاد الشام.
إفشاء السر ووصوله إلى روما
كان الحرير حكراً على البلاط الإمبراطوري الصيني في صناعة الأقمشة والستائر واللافتات وغيرها من القطع المرموقة، إذ كانت تقنية إنتاجه سراً محفوظاً بشدة داخل الصين لـ 3 آلاف عام، حيث أصدرت مراسيم إمبراطورية أحكام بالإعدام على أي شخص يكشف عن عملية إنتاجه لأجنبي.
الخيل واليشم تعرف الصينيين
ولكن يقال إن أهم وأطول التبادلات على طريق الحرير كانت تجارة الحرير في مقابل الخيول، إذ قايض التجار والمسؤولون الصينيون قطعاً من الحرير بالخيول الأصيلة من سهوب منغوليا وهضبة التبت، ويعود تاريخ الشراكة بين البشر والخيول إلى ما يقارب 5500 عام، وقد كانت ضرورية للحياة اليومية على طول طرق الحرير، ولا سيما بالنسبة إلى البدو الرحل الذين يعيشون في بيئة فريدة من نوعها في سهوب آسيا الوسطى، ولكن أيضاً في المجتمعات المستقرة المجاورة التي تعتمد على الخيول للسفر والتجارة والزراعة.
بين رائحة الورق والتوابل مسافة أمان
وعلى طريق الحرير كان المسافرون يحملون وثائق ورقية تُعد بمثابة جوازات سفر لعبور الأراضي البدوية أو قضاء الليالي في قوافل إحدى واحات طريق الحرير، لكن أهم وظيفة للورق على طول طريق الحرير كانت ربطه بالنصوص والكتب التي تنقل أنظمة فكرية جديدة كلياً، وبخاصة الدِين، لذا أدت التجارة الباكرة للورق وانتشار تقنيات صناعته على طول المناطق التي يشملها طرق الحرير إلى تحسين قدراتنا على تسجيل وتخزين المعلومات ونقل المعرفة.
زينة النخبة وزينة الزجاج
أما السلعة الغريبة فقد كانت العبيد، إذ كانوا يعتبرون بضاعة من بضائع طريق الحرير، تُشترى وتُستعمل وتُباع لتحقيق الربح، وكثيراً ما كانوا يُنقلون لمسافات طويلة براً وبحراً للتجارة في الأسواق الأجنبية، فقد انتشرت العبودية على طول طريق الحرير ولم تقتصر على ثقافة أو مكان أو فترة زمنية محددة، ولعل أهميتها في اقتصاد طريق الحرير نافست أهمية الحرير أو الخيول أو غيرها من السلع.

