المعضلة التي يعاني منها مجلس الأمن الدولي
هل يعقل أن تتوقف حياة الملايين على كلمة "لا" تصدرها دولة واحدة؟ هل يمكن أن يستمر العالم يشاهد خروقات وجرائم إبادة منقولة نقلا حيا عبر شاشات التلفاز وأدوات التواصل الاجتماعي، دون أن يتمكن من إيقافه ومحاسبة المدانين بهذه الجرائم؟ هذا هو جوهر المعضلة التي يفرضها حق النقض، أو "الفيتو"، في مجلس الأمن الدولي من قِبل دول شكلت تفوقا عسكريا على بقية دول العالم منذ تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945.
حق النقض في مجلس الأمن الدولي
منح حق النقض، أو "الفيتو"، لدول الخمس الكبرى – أميركا، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا – كان بهدف ضمان الاستقرار الدولي ومنع تكرار كوارث الحروب العالمية. الفكرة كانت أن القرارات المصيرية لا بد أن تحظى بموافقة القوى الكبرى كي لا تجهض عند التنفيذ. ومع ذلك، تحول هذا "الضمان" مع الزمن إلى أداة هيمنة، سمحت لهذه الدول بتعطيل أي قرار يضر بمصالحها، أو مصالح حلفائها، ولو كان ذلك على حساب العدالة والإنسانية.
استخدام الولايات المتحدة لحق النقض
الولايات المتحدة تقف في مقدمة الدول الخمس التي استخدمت "الفيتو"، خصوصا حين يتعلق الأمر بقضايا الشرق الأوسط التي تشكل إسرائيل فيها طرفا في النزاع أو العدوان. استخدمت الولايات المتحدة حق النقض عشرات المرات، أغلبها يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. كلما حاول مجلس الأمن تمرير قرار يدين الاحتلال أو يطالب بوقف الاستيطان، أو حماية المدنيين الفلسطينيين، أو حالات العدوان على دول عربية ذات سيادة، تدخلت واشنطن لتعطيله.
الآثار المترتبة على استخدام حق النقض
استخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة له آثار تتجاوز القضية الفلسطينية. فهو يضرب مصداقية الأمم المتحدة في الصميم، ويحولها إلى ساحة تجاذب بدلا من أن تكون مرجعا محايدا. كما يشجع دولا أخرى على تجاوز القانون الدولي، باعتبار أن "قوة القانون" لم تعد ذات معنى أمام "قانون القوة". استخدام واشنطن لحق النقض ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف الحرب في غزة، حيث أكثر من مليوني شخص في القطاع يعيشون تحت القصف والحصار، يظهر مدى تأثير هذا الحق على القرارات الدولية.
الفيتو الأمريكي وتأثيره على العدالة الدولية
الفيتو الأمريكي الجديد هو الأحدث زمنيا حيث استخدمت واشنطن هذا الحق ضد مشروع قرار في مجلس الأمن، أيدته 14 من الدول الـ 15 الأعضاء في المجلس، كان يطالب بوقف الحرب في غزة. رغم هذه الصورة المروعة، ورغم أن غالبية أعضاء المجلس صوتوا لصالح مشروع "وقف الحرب"، فإن صوتا أميركيا واحدا كان كافيا لإسقاط القرار. هذا يعني أن مصير العالم ما زال يعيش في ظل ميزان قوى غير عادل، حيث تتحكم دولة واحدة في قرارات تمس حياة الملايين.
مستقبل Council الأمن الدولي
مراكز دراسات المستقبلات الدولية ترى أن إسقاطات مواقف واشنطن على المدى البعيد، ستؤدي إلى زعزعة الثقة بالنظام الدولي، وتعزز ظهور تكتلات بديلة مثل "بريكس"، أو تحالفات إقليمية تحاول موازنة النفوذ الأميركي. ومع ذلك، تعترف هذه المراكز أيضا أن هذه البدائل لا تزال في طور التشكل، بينما يبقى مجلس الأمن عاجزا، مشلولا بفيتو واحد. هناك تحركات من دول كبرى وأخرى كبيرة في حجمها الاقتصادي والسكاني للعودة إلى مطالبات "إصلاح مجلس الأمن"، مثل تقييد استخدام الفيتو في القضايا الإنسانية، أو اشتراط تأييد أكثر من دولة دائمة العضوية لاستخدامه، أو إلغائه بالكامل. ومع ذلك، مقاومة بعض الدول الكبرى هذه التغييرات تجعل الأمر يبدو صعبا لكنه ليس مستحيلا استنادا إلى تزايد الغضب الدولي تجاه قيود حق "الفيتو".
الخلاصة
معنى أن يتعلق مصير العالم بفيتو أميركي هو ببساطة أن العالم ما زال يعيش في ظل ميزان قوى غير عادل، حيث تتحكم دولة واحدة في قرارات تمس حياة الملايين. في الحالة الفلسطينية، يتجسد هذا المعنى بشكل فج: الحرب تستمر لأن الفيتو أراد لها أن تستمر، والمجازر تتواصل لأن زرّا في البيت الأبيض أعيد الضغط عليه، وأن مجرمي الحرب آمنون؛ لأنهم لا مساس بهم ما دامت واشنطن تجاهر بحمايتهم. يبقى السؤال الذي يراود كل إنسان على مستوى العالم: إلى متى سيظل النظام الدولي رهينة لهذه المعادلة؟ وهل يقبل البشر في القرن الـ21 أن تختزل العدالة والسلام في كلمة "لا" تحت قبة مجلس الأمن؟

