اكتب مقالاً عن
لم يكن انفجار آلاف أجهزة النداء الآلي “البيجر” في لبنان حدثاً عابراً في مسار الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”، بل محطة فارقة حملت أبعاداً أمنية وعسكرية ونفسية غير مسبوقة. ففي لحظة واحدة، تحولت وسيلة اتصال تقليدية إلى سلاح مدمر حصد عشرات القتلى وآلاف الجرحى، وفتح الباب واسعاً أمام أسئلة محرجة عن الثغرات داخل البنية الأمنية للحزب، وعن مدى التفوق التكنولوجي الإسرائيلي في الحرب الخفية.
ومع توالي الاعترافات والتسريبات، باتت العملية توصف بأنها واحدة من أعقد العمليات الاستخباراتية في المنطقة منذ عقود، وأشدّها تأثيراً على صورة الردع والميزان الاستراتيجي بين الطرفين.
إليكم 10 أسئلة وإجاباتها، لنفهم من خلالها كل جوانب العملية وكواليسها في ذكرى مرور سنة على تنفيذها.
1- ماذا حصل يومي تفجيرات البيجر واللاسلكي في لبنان؟
بدأت انفجارات أجهزة “البيجر” نحو الساعة 3:30 بالتوقيت المحلي (13:30 بتوقيت غرينتش) من يوم 17 سبتمبر (أيلول) عام 2024 في مناطق لبنانية عدة، أبرزها الضاحية الجنوبية لبيروت وسهل البقاع وبلدات في الجنوب، وهما من معاقل جماعة “حزب الله”.
استمرت موجة الانفجارات نحو ساعة، وقال شهود من وكالة “رويترز” وسكان الضاحية إنهم سمعوا الانفجارات حتى الساعة 4:30 بالتوقيت المحلي (17:30 بتوقيت غرينتش).
ووفقاً لمصادر أمنية ولقطات فيديو راجعتها “رويترز”، وقعت بعض التفجيرات عقب رنين أجهزة “البيجر” مما دفع حامليها إلى الإمساك بها أو تقريبها من وجوههم لتفقد الشاشة.
المشهد تكرر في اليوم التالي في 18 سبتمبر مع انفجار أجهزة لاسلكي من نوع Talkie-walkie يحملها عناصر من الحزب في توقيت متزامن.
وقعت بعض التفجيرات عقب رنين أجهزة “البيجر” مما دفع حامليها إلى الإمساك بها (ا ف ب)
2 – ما عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا في التفجيرين؟
يكشف الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أن العدد الذي تم التحقق منه بعد سنة على وقوع تفجيري أجهزة البيجر واللاسلكي، هو 420 قتيلاً و3700 جريحاً، توزعت إصاباتهم بين العين، اليدين أو الحوض.
ولم يصدر أي رقم رسمي أو نهائي لعدد القتلى من وزارة الصحة بعد سنة من وقوع التفجيرات، فيما صرح وزير الصحة السابق فراس الأبيض في 21 سبتمبر 2024 أن 82 شخصاً قتلوا وأصيب الآلاف.
وكذلك كان يحمل أحد أجهزة البيجر السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني، الذي أصيب في الهجوم.
3 – كم بلغ عدد الأجهزة التي انفجرت؟
لا توجد معلومات حتى اليوم تؤكد عدد أجهزة البيجر أو اللاسلكي يومي الـ 17 و18 سبتمبر الماضي، لكن ما ورد في عدة تقارير يؤكد أن نحو 4000 جهاز بين بيجر ولاسلكي من نوع Talkie-walkie قد انفجروا بفارق يوم واحد تقريباً. فيما يبقى الرقم غير نهائي ومؤكد باعتبار أنها كانت تستعمل بين عناصر من “حزب الله”، المنتشرين بين مهام مدنية، كالتعبئة، وأخرى عسكرية على الجبهات.
4 – ما نوع الأجهزة التي انفجرت؟
يُعد البيجر جهازاً صغيراً للاتصال اللاسلكي اخترعه الكندي ألفريد غروس عام 1949، ويُعرف كذلك باسم جهاز النداء. يعمل ببطاريات قابلة للشحن، ويتيح استقبال رسائل نصية أو إشعارات صوتية وضوئية. وقد انتشر استخدامه على نطاق واسع في المستشفيات والمطاعم والمراكز التجارية، كما اعتمد عليه الأفراد للتواصل قبل ظهور الهواتف المحمولة. وفي تسعينيات القرن الماضي تجاوز عدد مستخدميه 61 مليون شخص، وفق تقارير، لكنه بدأ يتراجع تدريجاً مع صعود الهواتف الذكية.
آلية عمل البيجر تقوم على استقبال موجات راديوية صادرة من هوائيات خاصة، تتحول إلى إشارات ضوئية أو اهتزازات تنبه حامله. وعلى رغم تراجع شعبيته، ما زال يُستخدم في بعض القطاعات مثل المجال الطبي والمطاعم.
الطراز الذي انفجر بين عناصر “حزب الله” كان يحمل علامة شركة “غولد أبولو” التايوانية (ا ف ب)
وفي ما يتعلق بالأحداث الأخيرة، فإن الطراز الذي انفجر بين عناصر “حزب الله” كان من نوع (IP-924) ويحمل علامة شركة “غولد أبولو” التايوانية.
إلا أن مؤسس الشركة نفى أن تكون أجهزته هي المستخدمة، موضحاً أن أجهزة البيجر المتفجرة صُنعت في المجر من قِبل شركة حاصلة على حق استخدام العلامة التجارية.
أما الأجهزة التي انفجرت في 18 سبتمبر فكانت من فئة “ووكي توكي آيكوم”، وهي أجهزة تعتمد بدورها على تقنيات مختلفة للاتصال عبر موجات الراديو، وتتنوع استخداماتها لتشمل الاتصالات البحرية، والتواصل في حالات الطوارئ، وكذلك الاتصالات المتنقلة.
5 – كيف وصلت إلى “حزب الله”؟
الإجابة على هذا السؤال أيضاً ليست مسألة سهلة، فحتى بعد سنة على وقوع التفجيرات، لم يخرج تقرير موحد يكشف كيف وصلت أجهزة النداء هذه إلى يد عناصر الحزب، وكيف أغفل وجود مواد متفجرة بداخلها، ومتى تم تفخيخها.
لكن بعض السيناريوهات حضرت في تحقيقات صحافية أو تصريحات لمسؤولين، ومنها ما أكدته صحف أميركية عدة، من ضمنها “نيويورك تايمز”، أن شحنة البيجر، والتي تتألف من نحو 5000 جهاز، استلمها الحزب قبل أشهر من تفجيرها، وهي تعد الدفعة الأحدث التي حصل عليها، فيما عمدت إسرائيل إلى تفخيخها إما في منشئها أو في رحلتها من المنشأ إلى لبنان. وقد اشترك في هذه العملية جهاز الموساد الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي على حد سواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل تقول صحيفة “واشنطن بوست” عن مركز أبحاث للأمن إن ما حدث ناجم عن أوسع عملية استبدال لأجهزة اتصال مستوردة بشحنة تحوي متفجرات، كاشفة أن عملية تفجير البيجر هي نتيجة خطة استمرت لسنوات، بدأت في مقر الموساد في تل أبيب، وشاركت فيها في نهاية المطاف مجموعة من العملاء في بلدان متعددة.
بدوره، كشف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في تصريح أدلى به قبل أشهر إن “حزب الله” شكك في الأجهزة وأرسل بعضها إلى إيران لفحصها، وقال “اكتشفنا أنهم كانوا يرسلون الأجهزة لاختبارها في إيران… سألت كم من الوقت سيستغرقهم لمعرفة إذا كانت مفخخة فقيل لي يوم واحد فقط… عندها أمرت بالتصرف الفوري”.
6 – ما قصة البيجر الذهبي الذي أهداه نتنياهو إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب؟
في اجتماع عقد داخل في البيت الأبيض في فبراير (شباط) 2025، قدم بنيامين نتنياهو للرئيس الأميركي دونالد ترمب مجسماً يتضمن جهاز بيجر ذهبي، كرمز للعملية الإسرائيلية التي نفذت في 17 سبتمبر 2024.
على شاشة البيجر كانت هناك عبارة فيها “اضغط بكلتا يديك” يُعتقد أن هذه العبارة ترمز إلى أن المستخدم يجب أن يستخدم كلا اليدين لإرسال الرسالة أو استقبالها، وفي اللوحة المصاحبة للبيجر كتب “إلى الرئيس دونالد جيه. ترمب، صديقنا الأعظم وحليفنا الأعظم- رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو”.
عند تسلم الهدية، قيل نقلاً عن الموجودين، وفق صحف، إن ترمب رد بعبارة “كانت عملية رائعة” That was a great operation
البيجر الذهبي الذي أهداه نتنياهو لترمب (ا ف ب)
7 – ماذا جرى في البنتاغون قبل تفجيرات البيجر؟
كشف نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط سابقاً دانيال شابيرو عن معطيات جديدة تتعلق بتفجير أجهزة النداء الآلي “البيجر”. ووفق ما أوردته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، أوضح شابيرو أن وزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستن تلقى في يوم العملية مكالمة عاجلة من نظيره الإسرائيلي آنذاك يوآف غالانت، أبلغه خلالها بشكل مقتضب بأن إسرائيل على وشك تنفيذ عملية خاصة في لبنان، من دون أن يفصح عن طبيعة هذه العملية.
وأضافت الصحيفة أن غالانت امتنع عن تزويد أوستن بأي تفاصيل إضافية حفاظاً على السرية القصوى التي تتطلبها مثل هذه العمليات الحساسة. وبعد نحو نصف ساعة من تلك المكالمة، بدأت وسائل الإعلام تتناقل تقارير عن انفجارات غامضة وقعت في لبنان.
8 – كيف علق “حزب الله” على تفجيرات البيجر؟
عقب التفجيرات التي كانت الضربة الأشد التي يتعرض لها “حزب الله” منذ عقود، بادر الأخير إلى تشكيل لجنة تحقيق مركزية. وأوضح الأمين العام للحزب نعيم قاسم أن المواد المتفجرة المزروعة داخل الأجهزة كانت من نوع فريد يصعب اكتشافه بالوسائل التقليدية، معترفاً بأن التنصت الإسرائيلي كان شبه شامل، لكنه نفى وجود اختراق بشري في صفوف القيادة، مرجعاً ما حدث إلى ثغرات في آليات الشراء وسلسلة التوريد.
غير أن النقاش لم يقتصر على إطار التحقيقات الداخلية، بل اتسع لاحقاً ليأخذ منحى أكثر جرأة. ففي تصريحات سابقة، أقر مسؤول الموارد والحدود في الحزب نواف الموسوي بأن ما جرى لم يكن نتيجة التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي وحده، بل أيضاً بسبب “إهمالنا وثغراتنا”، مضيفاً أن نقاط الضعف التي كشفها التفجير كانت “بالغة الخطورة وكبيرة الحجم”.
السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني أصيب في هجوم البيجر (ا ف ب)
9 – كيف أثرت عملية البيجر على الحزب وحربه ضد إسرائيل؟
تحولت واقعة تفجير أجهزة “البيجر” وبعدها أجهزة الاتصال اللاسلكي إلى علامة فارقة في مسار الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”. فهي لم تكن مجرد خسارة بشرية مباشرة، بل مثّلت هزيمة مركبة: ضربة معنوية أفقدت الحزب جزءاً من هيبته، وانكشافاً تقنياً أظهر تفوق العدو في مجال الحرب الإلكترونية، إضافةً إلى خلل في صورة الردع التي طالما اعتمدها الحزب أمام الداخل اللبناني والخارج الإقليمي.
وصحيح أن العملية أوقعت عشرات القتلى وآلاف الجرحى، لكنها كشفت حدود البنية الأمنية والعسكرية للحزب، وأظهرت هشاشته في سلسلة التوريد والتأمين. ومع ذلك، فإن أثرها الاستراتيجي أعمق من الحصيلة الميدانية، إذ فتحت الباب أمام تراجع تدريجي في قدرة الحزب على التحكم بإيقاع المواجهة واغتيال أمينه العام السابق حسن نصرالله بعد الحادثة بـ 10 أيام فقط.
وكان نصرالله قال بنفسه في أعقاب العملية “لا شك في أننا تعرضنا لضربة كبيرة أمنياً وإنسانياً وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان في الأقل وغير مسبوقة في تاريخ لبنان وقد تكون غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي في المنطقة برمتها، وربما غير مسبوقة في العالم”.
10 – ماذا كشف الموساد عن كواليس العملية؟
في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي أس” أجريت في ديسمبر (كانون الأول) 2024، كشف عميلان سابقان في الموساد عن جوانب من الخطة السرية التي أُعدت خلال سنوات قبل تنفيذ عملية البيجر. وظهر الرجلان متخفيين بالأسماء المستعارة “مايكل” و”غابرييل”.
قال “مايكل” إن لديهم قدرة واسعة على إنشاء شركات أجنبية لا يمكن ربطها بإسرائيل، ووصفوا الأمر بأنه “خلق عالم افتراضي” يلعبون فيه دور المخرجين والمنتجين والممثلين، فيما يشكل العالم المسرح”. ويتابع بسخرية قائلاً “لقد حصلوا على سعر جيد”.
وأضاف أن “حزب الله” اشترى أكثر من 16 ألف جهاز ظلت طي الغياب لسنوات، ثم شمل النطاق لاحقاً أجهزة تتبع أيضاً. ولتنفيذ الخطة، أنشأ الموساد شركة وهمية في المجر، قامت بشراء الأجهزة من شركة “غولد أبولو” التايوانية، بل عملت على توظيف بائعة للشركة للترويج للإصدار المطور.
من جهته، كشف العميل الثاني “غابرييل” تجارب مطولة أجريت باستخدام دمى للتأكد من أن الإصابة ستكون مركزة ولا تمس أبرياءً، كما تم تكبير الأجهزة داخلياً لإيواء كميات المواد المتفجرة المطلوبة.
وذكر “غابرييل” أن قادة الموساد كانوا في البداية يظنون أن النموذج الذي طوروه يبدو ثقيلاً لدرجة قد تجعل الحزب يرفض شراءه، لكنهم نجحوا في إقناعه من خلال إعلانات مزيفة على “يوتيوب” وصورة تسويقية تُظهر الجهاز على أنه قوي ومتين.
باللغة العربية لتسهيل قراءته. حدّد المحتوى باستخدام عناوين أو عناوين فرعية مناسبة (h1، h2، h3، h4، h5، h6) واجعله فريدًا. احذف العنوان. يجب أن يكون المقال فريدًا فقط، ولا أريد إضافة أي معلومات إضافية أو نص جاهز، مثل: “هذه المقالة عبارة عن إعادة صياغة”: أو “هذا المحتوى عبارة عن إعادة صياغة”:

