غياب النواب عن الجلسات البرلمانية: تحدٍ للمؤسسة التشريعية
ينص الدستور العراقي على أن البرلمان يمثل السلطة التشريعية العليا، المكلّفة بسن القوانين وممارسة الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، وهو ما يضع النواب في موقع مسؤولية مباشرة أمام الناخبين. غير أن الواقع الميداني يكشف عن تحديات جدية تهدد مصداقية المؤسسة التشريعية، أبرزها ظاهرة غياب النواب عن الجلسات، خصوصاً في المراحل التي تسبق الانتخابات، حيث تتحول الأولويات من العمل النيابي إلى الحملات الانتخابية المبكرة.
تأثير الغياب على الثقة بالبرلمان
الباحث في الشأن السياسي حسين الأسعد أوضح أن "ظاهرة غياب النواب عن جلسات البرلمان وانشغالهم بحملاتهم الانتخابية تثير قلقاً مشروعاً لدى الشارع العراقي، إذ تعكس تراجعاً في مستوى الالتزام بالمسؤولية الدستورية والواجب الوطني". هذا التحليل يعكس بعداً دستورياً جوهرياً، حيث أن الغياب غير المبرر لا يُعد فقط إخلالاً بواجب وظيفي، بل خرقاً لعقد الثقة بين النائب والناخب.
الحاجة إلى إصلاحات داخلية
استمرار هذا السلوك يضعف ثقة المواطنين بالمؤسسة التشريعية، ويعطي انطباعاً سلبياً عن جدية ممثلي الشعب في خدمة المصلحة العامة. من الضروري أن تكون هناك آليات صارمة لمحاسبة النواب المتغيبين بلا عذر، لضمان أن تكون الأولوية دائماً للعمل النيابي وليس للحسابات الانتخابية. النموذج البرلماني العراقي يحتاج إلى إصلاحات داخلية لتعزيز الانضباط والالتزام بين أعضائه، وإلا فإنه سيواجه أزمة أعمق في ثقة المواطنين بجدوى العملية السياسية برمتها.
آليات لتعزيز الانضباط
يمكن لتشريعات جديدة أن تُلزم بإسقاط عضوية النائب عند تجاوز نسبة محددة من الغيابات غير المبررة، أو اقتطاع جزء من مخصصاته المالية. كما يمكن تفعيل الشفافية عبر نشر سجلات الحضور أمام الرأي العام، لتشكيل ضغط اجتماعي وسياسي إضافي. وفق تقديرات مختصين، فإن إصلاح هذه الثغرة يمثل مدخلاً أساسياً لإعادة الاعتبار للمؤسسة التشريعية.
مستقبل المؤسسة التشريعية
ما تغيّر هو ارتفاع حدة الغياب البرلماني مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، في وقت كان يتطلب فيه الظرف السياسي تعزيز الرقابة والتشريع. وما لم يتغيّر هو استمرار غياب آليات حازمة لمحاسبة النواب المتخلفين عن أداء واجباتهم. أما الأثر المتوقع، فهو تراجع إضافي في ثقة الشارع بالمؤسسة التشريعية، ما يُفاقم أزمة الشرعية السياسية التي يعانيها النظام العراقي منذ سنوات.
الخلاصة
إن تصريحات الأسعد تضع يداً على جوهر الأزمة، فغياب النواب ليس مجرد إشكالية إجرائية، بل مؤشر على تراجع الالتزام بالعقد الدستوري بين النائب والناخب. ولعل المرحلة المقبلة ستفرض على البرلمان إما اتخاذ خطوات عملية لضبط الانضباط النيابي، أو مواجهة أزمة أعمق في ثقة المواطنين بجدوى العملية السياسية برمتها.

 
									 
					

