تستمر معاناة أشقائنا الفلسطينيين، وخاصةً الأطفال والنساء وكبار السن، بسبب المجاعة وانتشار الأمراض، والفقد المستمر، ومعاناة المصابين، ونلاحظ أن الله رَزَقَهُم صبر أيوب مع هذه الابتلاءات، نراهُم مُتمسّكين بالأرض فى أصعب الظروف، ننبهِر بقوة تحمُّلهم، نراهُم بكل شجاعة ويقين مؤمنين أن نصر الله قريب..
أرى صبر أيوب فى عيون الغزَّاوِية، حيث تداول العديد من نشطاء “فيسبوك” مؤخرًا فيديو لـ “أبو أركان” وهو صانع محتوى يُقدّمهُ من غزة، بعنوان (الخبز اللى عندك نعمة والخبز اللى عِنّا مقاومة)، يظهر “أبو أركان” أثناء صناعة الخُبز مُبتسمًا، راضيًا بقضاء الله وقدره، يقول فى الفيديو على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بسم الله، ويضع رغيف خبز فى الفرن، ويقول: “من بين الدبابات نحصل على أكياس الطحين، بنشوف الموت وإحنا بنحصل على الطحين، ما شفتو فرحة الصغار، والله ما استسلمنا، بنموت آه، بس بِنْضَل نخبز غصب عنهم، الكرامة ما بتنشرا، الخبز عندنا ما طعمها ملح، بل طعمها صبر وصمود”، ويضيف قائلًا لمتابعيه: “الله يبعد عنكم التعب ويحميكم ويحمى بلادكم، ويحمى رزقكم، ويبعد عنكم كل شر وكل مكروه يارب، غزة ما بتِنْذَل يا جماعة”..
وردًا على قيام اللجنة المصرية فى غزة بتوزيع مساعدات على سكان القطاع، قال مفتى غزة الشيخ حسن اللحام الذى ظهر متماسكًا راضيًا بقضاء الله وقدره: “أتقدم بالشكر لمصر لدعمها الشعب الفلسطيني فى مِحنَتَهُ، رغم ما نحن فيه من حِصار وشِدّة، إلا أن جارتنا وأم العرب وأم الدنيا مصر بارك الله فيها شعبًا وحكومةً وأدام الله عليها الخير والفضل أنجدت هذا الشعب، بعد حصار 7 أشهُر، ولقد سبق لها ذلك فى عهد عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – فى عام المجاعة، عندما مَرّ بالمدينة، استنجد بأهل مصر، حتى أنقذوا المسلمين فى ذلك الزمن، و تَبْقَى مِصر دائمًا على الرأس، حفظها الله حكومةً وشعبًا، وأدام الله عليها الخير والفضل، أسأل الله أن يجازيها عن الشعب الفلسطيني وأهل غزة خير الجزاء، حِفظًا وأمنًا وسلامًا لكل من يُحِب مِصر وفي مِصر وآلَ إلى مِصر”..
عندما نلاحظ صبر أشقائنا الفلسطينيين، نُدرك أن الله يُحِبُّهم، لأن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، ليختبر إيمانه، فى الضرّاء، هذا الصبر والتمسُّك بالأرض واليقين أن نصر الله قريب معناه أن الله يُحِب هذه الأرض، ويُحِب هذا الشعب المُناضل الشجاع العظيم، ونلاحظ أن القدس وفلسطين وردتا فى القرآن الكريم فى مواضِع كثيرة، منها: قوله تعالى فى سورة المائدة – الآية 21 (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)، قال المُفسّرون إن المُراد بالأرض المقدسة بيت المقدس وما حوله (فلسطين)..
ونلاحظ أن قوة تَحَمُّل الفلسطينيين تُشبِه صبر النبي أيوب، في ظل المعاناة والدمار والظلم الذي يتعرضون له.. أيوب هو نبي وَرَد ذِكرُه فى القرآن، دائمًا ما يَضرِب به العرب المَثَل فى الصبر، فيقولون “يا صبر أيوب”، لأنه كان يمتلك أموالًا كثيرة، وأراضى واسعة، وكان لديه الكثير من الأبناء، كان سخيًا عابدًا لله، يهتم بحقوق الناس، لكنه خَسِر كل ذلك فجأة..
حيث أَذِنَ الله تعالى باختبار أيوب بزوال متاع الدُنيا، فَخَسِر أيوب ممتلكاته، لكنه ظل ثابتًا وصابرًا، ثم حدث زلزال قتل جميع أبناؤه، ثم أصابهُ المرض وضَعِفَ، لكن ظل أيوب صابرًا على ما أصابهُ من بلاء..
ظَلَّ أيوب يَحمِدُ الله سرًا وعلانيةً، ظَلَّ مواظبًا على عبادة الله لمدة 18 عامًا، ثم دعا أيوب ربّهُ أن يزيل عنه الضر، حيث نقرأ في سورة الأنبياء: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84).. فأَذْهَبَ الله عن سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ البلاء، ورزقه الشفاء، ورزقه الأولاد، وزاد ماله، مكافأة على صبرُه وعبادته لله فى الضراء، وعدم وصوله إلى مرحلة القنوط، وهو اليأس الشديد من الخير والرحمة، لأن القنوط يعنى انقطاع الأمل فى تحقيق هدفٍ ما..
لا نسمَع أشقائنا الفلسطينيين يقولون لماذا يا الله ابتليتنا هذا الابتلاء الصعب؟ بل دائمًا يُردِّدون “إنا لله وإنا إليه راجعون” فى أصعب الظروف، كما كان يقول أيقونة الصبر سيدنا أيوب..
صبر أشقائنا الفلسطينيين يُذكِّرُنا بكلام الله فى سورة الطور – الآية 48 – قوله تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) أي إصبُر على أذاهم، فإن الله موجود وسيُنقِذُكَ من البلاء والشر..
صبر أشقائنا الفلسطينيين يُذكِّرُنا أيضًا بكلام الله فى سورة الزُّمُر الآية 10 قوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، تعني أن الله تعالى يمنح الصابرين ثوابًا وأجرًا عظيمًا لا يُمكِن حصرُه أو تقديره.
عند متابعة معاناة الأشقاء الفلسطينيين، نتذكر كلام الله تعالى فى سورة يس: إِنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡيَوۡمَ فِي شُغُلٖ فَٰكِهُونَ (55) هُمۡ وَأَزۡوَٰجُهُمۡ فِي ظِلَٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ مُتَّكِـُٔونَ (56) لَهُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57) سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ (58).. بالتأكيد سيُكافِأهم الله بالجنة مقابل صبرهُم وتحمُّلهم ويقينهم، لأن الله أكرم الأكرمين..
أدعو الله دائمًا أن يرزُقَنا صبر الغزَّاوِية، بالطبع ننعم هنا في مصر بالأمن والأمان، نحمِدُ الله على نِعَمُه، ونسأل الله البركة، مصر عندما ذُكِرَت فى سورة يوسف ـ الآية 99 ـ نجد أن المولى عز وجل يقول: «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ»، وعلى الرغم من الأمن والأمان الذى ننعم به هنا في مصر بفضل الله، والحمد لله، لكننا نواجه تحديات في الحياة، تجعلنا أحيانًا أو كثيرًا نشعر بصعوبة في الاستمرار فيما بدأناه، صعوبة فى مواصلة السعى، بالدراسة، بالعمل، تحديات بالحياة الأسرية، وتربية الأبناء، صعوبة فى التعامل مع النفوس المريضة، فالحياة أصبحت مُرهِقة، أيًا كانت التحديات، نشعر أحيانًا أننا غير قادرين على استكمال ما بدأناه، وهنا أدعو الله أن يرزُقنا صبر أيوب، وأصبحت مؤخرًا أدعو الله أن يرزقنا صبر الغَزّاوِية، الشجعان المؤمنين بقضاء الله وقدره، المتمسكين بالأرض بلا يأس أو ملل..
أدعو الله أن ينصُر أشقائنا الفلسطينيين عاجلًا وليس آجلًا، الله يصنع المعجزات، هذا النصر ليس أمرًا صعبًا على الله، نُدرِك أنه اختبار صعب لإيمانهم، وأدعو الله أن يرزقهم السعادة عاجلًا وليس آجلًا مكافأة على صبرهم وشجاعتهم وإيمانهم القوى، والرضا باختبار الله الصعب..

 
									 
					

