أزمة الرواتب في كردستان: مفارقة الأعمق
تستمر أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان في كشف المفارقة الأعمق، حيث يتحمل المواطن الكردي وحده عبء الخلافات بين بغداد وأربيل، في حين تبقى امتيازات الطبقة السياسية في بغداد وأربيل بمنأى عن أي تأثير. عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شيرزاد حسين يرى أن على الحكومة الاتحادية أن "تُبدي المرونة في ملف رواتب موظفي الإقليم، وألا تتزمت بشروط غير منطقية". هذه العبارة تكشف أن الخلاف لم يعد محصوراً بالرواتب نفسها، بل امتد إلى طبيعة الإيرادات ومن يتحكم بها.
الخلاف حول الإيرادات
حسين أوضح أن "حكومة الإقليم لبت جميع المطالب والشروط، ولكن هناك طلبات غير منطقية تطلبها الحكومة الاتحادية، تضر بكردستان من جميع النواحي". ومن أبرز هذه الطلبات، الإصرار على تسليم 50% من الإيرادات المحلية والاتحادية. هذا الشرط يثير جدلاً متكرراً؛ فالإقليم يرد بالقول إن بغداد تطالبه بشفافية كاملة، بينما الإيرادات غير النفطية داخل العراق – من منافذ وجمارك وضرائب – موزعة عملياً بين أحزاب وفصائل نافذة، ولا تدخل كلها إلى الخزينة العامة.
الأرقام الرسمية
الأرقام الرسمية تدعم هذا الجدل. ففي عام 2024 بلغت إيرادات العراق الكلية نحو 135.3 ترليون دينار، منها أكثر من 119 ترليون دينار من النفط، مقابل 16.29 ترليون فقط من الإيرادات غير النفطية، أي ما نسبته أقل من 13% من الإجمالي. هذه النسبة الضئيلة تعكس حالة ركود تاريخية في الإيرادات غير النفطية، وتجعل الموازنة العامة رهينة لتقلبات أسعار النفط.
ضرر تسليم الإيرادات
حسين شدد على أن "الإصرار على تسليم 50% من جميع الإيرادات الاتحادية والمحلية فيه ضرر كبير على حكومة الإقليم"، معتبراً أن هذا الشرط يتجاهل التزاماتها الخدمية والإدارية. وهنا يطرح الإقليم حجته الأكثر حساسية: إذا كانت بغداد نفسها لم تنجح في إدخال جميع إيرادات المنافذ والضرائب إلى الخزينة بسبب سيطرة القوى النافذة عليها، فلماذا يُطلب من أربيل أن تسلم إيراداتها كاملة وبلا استثناء؟
دور الدولة في الاقتصاد
المعادلة التي وصفها حسين بقوله "عمل الحكومة لا يختصر على صرف الرواتب فقط" تفتح نقاشاً أوسع حول دور الدولة في الاقتصاد. فالمواطن الكردي ينتظر الراتب كحد أدنى من حقوقه، لكنه يكتشف أن هذا الحق البسيط صار ورقة تفاوضية بين بغداد وأربيل. في المقابل، يمتلك العراق موارد ضخمة غير نفطية كان يمكن أن تخفف من الاعتماد الأحادي.
الخلل في توزيع الإيرادات
هنا سؤال حاد يطرح نفسه: إذا كانت الإيرادات غير النفطية – من جمارك ومنافذ وضرائب – موزعة بين الأحزاب ولا تدخل كاملة إلى خزينة الدولة، وإذا كانت الإيرادات النفطية تشكل أكثر من 90% من دخل العراق، فما الذي يتبقى للمواطن غير أن يدفع ثمن هذا الخلل؟ الموظف الكردي، كما العراقي عموماً، يظل الحلقة الأضعف في معادلة "الأخضر واليابس للأحزاب" حيث لا يخسر فيها الطرفان الحكوميان شيئاً، بينما الرواتب تتأخر أو تُستقطع، والخدمات لا تتحسن، والموارد تتبدد في محاصصات لا علاقة لها بحاجات الناس.

