استطاعت جماعة الإخوان الإرهابية أن تصنع بوتقة، تصهر فيها مزيجًا من الكراهية مع مخططات، تستهدف النَّيل من مقدرات وطن عاشت فيه، ونمت مقوماتها ومقدراتها بين مجتمع مسالم، لا يعرف إلا المحبة، والتسامح، بل، يعشق السِّلم، والسَّلام، ويرفض شتى صور العنف، والتطاول، وألوان الترهيب؛ لكن الجماعة استثمرت طيبة هذا الشعب، وتغلغلت في بنيته، وحقّقت مكاسبَ، يصعب حصرها على كافة المستويات، ومع تحوّلها الممنهج إلى العمل السياسي وفق أيدولوجيتها، التي تتبناها أظهرت نواياها السيئة، التي تقوم على الانتهازية، والسيطرة، والتحكم المطلق، ولو تطلب ذلك سياسة العنف، والاستعداء.
الإحباط المجتمعي نتج جرّاء توظيف الجماعة الإرهابية الدين في السياسة؛ فاختلطت به شوائب أفكارهم الهدّامة، التي تعتمد على التدمير، وشيْطنة الآخر، وهذا ما نسمّيه تجاوزًا بالمرض الفكري، الذي يسمح للإنسان أن يقوم بأي شيء نظير تحقيق مأْربه، ولو تضرّر في خضمه الآخرون، والعظيم في الأمر أنه تم أدلجة أفكارهم؛ فصارت منبعًا؛ لتزييف الوعي، وهذا ما رصدناه من مواقف عديدة، أظهرت تناقضات في القول، والممارسة، والتوجه، وللأسف تم تجنيد من يروّج لتلك الأيدولوجية بصورة منظمة، تقوم على الدعم اللوجستي بكل أنواعه.
المخاطر الجمّة تأتت من صورة الانغلاق الفكري، والذهني لجماعة، سجنت مواردها، ومقوّماتها في أيدولوجية، تعتمد فلسفتها على الأُحادية، وتعزّز مسارات العدائية، وتقفز على الآخر؛ لتقتنص منه ما يحقق غاياتها التوسعية، ناهيك عن استقطاب ثروة بشرية، تعد من سواعد بناء الأوطان، وتجنيدها وفق ماهية الولاء، والبراء، وهنا لا تمتلك الجماعة العقل فقط، بل، توجّه الممارسة كيفما تشاء؛ لتضمن أن يؤدي منتسبوها، وجندها المهام النوعية، التي يكلفون بها، دون جدال، أو حوار، ومن يخرج عن السياق تُوجّهُ إليه ضربات قاسمة، دون شفقة، أو رحمة.
الفوضى زاد، ووقود الجماعة الإرهابية؛ فمن خلالها تنبعث المخططات، التي تعتمد على تشويه الوعي، وإضعاف الثقة بين المواطن، ودولته؛ ومن ثم استغلت أذرع الجماعة الفضاء الرقمي، بعد أن نكّل بها، وخرجت قيادتها صاغرة، هاربة من وطن، قد لفظ شعبه الأبيّ فكرها القميء، وتابعت الإرهابية كفاحها في هذا التوجّه، ووظّفت طاقتها، وتمويلاتها مشبوهة المصدر، ووسائل الإعلام التي تبث على مدار الساعة شائعات مغرضة؛ لتضعف الهمة، وتصبح الإرادة ليّنة، والأنفس مشحونة بالكراهية؛ وبناءً على ذلك تدفع الشعوب الضعيفة إلى هاوية الفُرْقة، والتشرذم، وتذيب النسيج؛ ليصبح هشًّا، وممزّقًا؛ فلا تجد لُحْمةً، ولا تماسكًا، ولا اصطفافًا مجتمعيًّا، وتصبح البيئة خصبة، ومواتية؛ كي تنفّذَ مخططاتها التوسعيّة، وتواصل مسيرتها نحو هدم أوطان أخرى؛ لتزداد رقعة انتشارها، وسيطرتها، وتقترب من حُلْم أحمق، وأوهام، تفتقد إلى البصيرة، دون مواربة.
جهاد الجماعة موجّهٌ نحو الداخل، وليس صوْب عدّو يدركه القاصي، والداني؛ لأنها لا تؤمن البتَّة بماهية الدولة، ولا بمفهوم المواطنة، ولا بالمؤسسية، التي تقوم على فلسفة قيم العدل، والمساواة؛ فلديها مشروعٌ معلنٌ، لا تكفُّ عن السعي وراء تحقيق أهدافه الكبرى، ولا تتورّع عن ممارسات، تؤدي إلى زعزعة استقرار، وطمأنينة المجتمعات؛ فالنزاع، والاقتتال نفقٌ تُدفع إليه الشعوب في ضوء تفكيرها المريض؛ فالواقع بالنسبة لسياساتها، لا يعترف بالنهضة، والإعمار، بل، يعتمد على تقليل الجهود، وتشويه الإنجازات؛ لـتألب الشعوب على مؤسساتها، وتضير بمُقدّراتها.
الجماعة صاحبة الظنّ بأنها فوق الوطن تحمل كراهية بلا حدود؛ لأن مشروعهم الوهمي لم يتوافق مع فلسفة الدولة المدنية، التي تقوم على الأمن، والأمان، والسِّلم والسَّلام، وتعزّز مسارات التنمية، التي تخرج المجتمعات من حالة العوز إلى ساحة الاكتفاء، وبدت الكراهية في أوْجها، حينما سقطت دولة الخلافة، التي زعموا إقامتها على ربوع المحروسة، بعد اقتناص حكم تأسس على الغدر، والخيانة، والضلال، والتضليل، وبدتْ مظاهر الكراهية المطلقة، بتشوية كيانات الدولة، عبر منابرهم المُموّلة وبالتحريض على العنف، ودعمه من خلال الذراع المُسلّح لديها، ناهيك عن تواصل الطعن، والتجريح، والتخوين للقيادة السياسية المصرية، التي تبذل الجهود المضنية؛ لترفع راية الوطن الكبير فوق الرؤوس، وتدفع بالسفينة إلى برّ النجاة؛ لتصبح مصر من الدول، التي تمتلك مقومات نهضتها بتنمية مستدامة، بواسطة سواعد أبنائها البررة.
الشعب المصري بطبيعته متسامح؛ لكن يمتلك الإدراك الصحيح لتاريخ الجماعة الإرهابية؛ ومن ثم فقد ساعد وعيه القويم في التخلص من شبح، كاد أن يفتك بالوطن، ويظلّه بغمامة، تؤدي بمقدراته؛ لذا فقد فوّض الشعب قيادته الرشيدة، واصْطفَّ خلفها؛ ليدحر عدائيات مبيّتة ما ظهر منها سوى القليل؛ فقد ساعدت يقظة مؤسسات الدولة الوطنية، وعزيمتها في القضاء على مخططات الإرهابية، التي أرادت أن تشيع الفوضى، وتحدث إرباكًا في المشهد الداخلي؛ حيث لم تتورع عن الاستعانة بالخارج؛ لتعود إلى حكمها، وتستكمل مشروعها الوهمي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
____
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر

