الأحزاب الكردية وأدوات النفوذ الانتخابي
يزداد الحديث عن حجم الأموال التي تُصرف في الحملات الدعائية مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، خصوصا في ظل اتهامات متكررة للأحزاب العراقية باستخدام المال السياسي للتأثير على الناخبين. وفيما يُتوقع أن تشهد بعض المحافظات سباقا ماليا محموما، يرى باحثون أن الأحزاب الكردية تختلف في نهجها عن نظيراتها الشيعية والسنية، لاعتبارات تتعلق بطبيعة جمهورها وآليات سيطرتها على السلطة.
نهج الأحزاب الكردية
الباحث في الشأن السياسي نوزاد لطيف، قال إن "مستوى صرف الأحزاب الكردية للمبالغ هو أقل من الأحزاب الشيعية والسنية، وخاصة الأحزاب الرئيسية فصرفها محدود في كل عملية انتخابية". يعود هذا التفاوت في الصرفيات إلى اختلاف البنية السياسية والاجتماعية. ففي الوقت الذي تعتمد فيه قوى شيعية وسنية على شراء الولاءات أو كسب أصوات متأرجحة عبر المال السياسي، فإن الأحزاب الكردية – خصوصاً الكبرى منها – تمتلك قاعدة تصويتية تقليدية مستقرة، ما يقلل حاجتها إلى إنفاق ضخم في الحملات.
قاعدة التصويت التقليدية
ويضيف لطيف أن "جمهور الأحزاب الكردية أغلبه ثابت، وتعتمد تلك الأحزاب على الموظفين في المؤسسات الحزبية والحكومية، وخاصة في المؤسسات الأمنية من البيشمركة والآسايش، وباقي الأجهزة". هذا الارتباط الوثيق بين الناخب الكردي والمؤسسات الحزبية يجعل من عملية الحشد الانتخابي مسألة تنظيمية أكثر منها مالية. فالموظفون والمنتسبون في الأجهزة الأمنية والخدمية، إضافة إلى عائلاتهم، يشكّلون كتلة انتخابية جاهزة تصطف خلف الحزب الذي يهيمن على المؤسسة.
نمط التصويت الموجَّه
يرى خبراء أن هذا النمط يعكس نموذج "التصويت الموجَّه"، حيث تتحول الوظيفة أو الانتماء المؤسسي إلى أداة ضبط سياسي، تغني عن شراء الأصوات بشكل مباشر. وأشار لطيف إلى أن "هذا الجمهور ثابت، وبالتالي لا تحتاج تلك الأحزاب إلى صرفيات كبيرة، كما أنها موجودة على الأرض، وتدير السلطة، وبالتالي يتم تسخير المؤسسات الحكومية في الدعاية الانتخابية، وهذا ما يقلل الصرف".
امتلاك مفاصل السلطة
مراقبون للشأن الانتخابي يوضحون أن امتلاك الأحزاب الكردية لمفاصل السلطة في الإقليم يمنحها أدوات نفوذ غير متوفرة لبقية القوى في المحافظات الأخرى. فالمؤسسات الحكومية تُستخدم أحياناً كأذرع دعم انتخابي، سواء عبر التعيينات، أو توظيف الموارد العامة في الحملات، أو حتى عبر شبكات النفوذ في المجتمع المحلي. هذا الواقع يجعل الدعاية الانتخابية أقل كلفة، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات حول عدالة المنافسة وإمكانية تحقيق انتخابات متكافئة.
محدودية الصرف الانتخابي
يرى خبراء أن محدودية الصرف الانتخابي للأحزاب الكردية لا تعكس بالضرورة شفافية أكبر، بقدر ما ترتبط بامتلاكها أدوات بديلة عن المال السياسي، تتمثل في نفوذها على مؤسسات الدولة واحتكارها لجمهور ثابت. وبينما تُنفق قوى في بغداد والبصرة وديالى مليارات لضمان مقاعد نيابية، تبدو الأحزاب الكردية أكثر استقراراً في جمهورها، لكنها أقل التزاماً بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين.

