إيران والعراق يتعاقدان على نقل الغاز المصاحب
بغداد اليوم – بغداد
في مفارقة لافتة تعكس عمق التحديات التي تواجهها إيران في ملف الطاقة، كشف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي عن اتفاق جديد يقضي بنقل 100 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز المصاحب من آبار النفط العراقية في ميسان إلى الأراضي الإيرانية لمعالجته وإعادته مجددًا إلى العراق لاستخدامه في محطات توليد الكهرباء. ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه احتجاجات داخل إيران بسبب نقص الكهرباء الناتج عن شحّ الغاز، في مشهد يكشف تآكل القدرة الصناعية الإيرانية على إدارة ثروتها الغازية رغم كونها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث حرق الغاز المصاحب بعد روسيا.
إيران تعتمد على الغاز "الحر"
وفق تحليل المرسومي، فإن إيران تعتمد في إنتاجها للغاز الطبيعي على النوع "الحر" المستخرج بشكل أساسي من حقل بارس الجنوبي، لكنها تقف عاجزة أمام استثمار الغاز المصاحب الذي يُفترض أن يكون موردًا إضافيًا لتغذية الشبكة المحلية وتوفير الكهرباء. على مدى عقدين، فشلت طهران في تطوير البنية التحتية اللازمة لجمع هذا الغاز أو معالجته، ما أدى إلى تصاعد عمليات الحرق في حقول النفط، متسببة بخسائر اقتصادية وبيئية هائلة.
أزمة انقطاع الكهرباء في إيران
وتزامن الإعلان عن الصفقة الجديدة مع تصاعد الاحتجاجات في عدد من المدن الإيرانية بسبب أزمة انقطاع الكهرباء، التي تعود بشكل أساسي إلى النقص في إمدادات الغاز المخصص لمحطات التوليد. وفي ظل هذا الواقع المتأزم، تبدو المفارقة أكثر حدّة: إيران تحرق غازها في الحقول، وتستورد الغاز من العراق لمعالجته، بينما شعبها يعاني من الظلام والانقطاعات، وتضطر الحكومة إلى تحميل المواطنين مسؤولية الاستهلاك المرتفع.
لجوء إيران إلى العراق
ويرى مراقبون أن لجوء إيران إلى العراق ليس فقط تعبيرًا عن عجزها، بل محاولة للالتفاف على أزماتها الداخلية عبر استثمار الغاز العراقي لصالح شبكتها الصناعية، أو ربما لإعادة تصديره ضمن شبكة الغاز الإقليمي غير المعلنة. ويخشى مختصون أن يؤدي هذا النمط من التعاقدات إلى مزيد من استنزاف المورد العراقي، دون تحقيق جدوى حقيقية إذا لم تُرفق بآليات رقابة صارمة تضمن إعادة الغاز وفق شروط توازن المصالح.
إيران والعراق يحرقان الغاز المصاحب
وتحتل إيران المرتبة الثانية عالميًا بعد روسيا في حرق الغاز المصاحب، بحسب تقارير البنك الدولي، وهو ما يعكس حجم الإهمال في تطوير شبكة تجميع الغاز والبنى التحتية ذات الصلة. وتعود أسباب هذا التدهور إلى نقص الاستثمار في البنية الأساسية للغاز، فضلًا عن تأثير العقوبات الغربية التي أضعفت قدرة إيران على استيراد معدات وتقنيات حديثة في هذا المجال. وفي المقابل، يبقى العراق أيضًا ضحية لهدر الغاز المصاحب، حيث يحرق سنويًا قرابة 17 مليار متر مكعب، ما يعني أن الاتفاق مع إيران قد لا يكون سوى إعادة تدوير لفشل مشترك، يُراد له أن يظهر بمظهر التعاون، بينما يغيب الحل الاستراتيجي الحقيقي.
إيقاف الولايات المتحدة للاستثناءات الممنوحة للعراق
وفي سياق متصل، تأتي هذه الصفقة في وقت حسّاس يتمثل بإيقاف الولايات المتحدة للاستثناءات الممنوحة للعراق بشأن تسديد مستحقات الغاز والكهرباء المستوردة من إيران، ضمن إطار العقوبات المفروضة على طهران. هذا الإيقاف يزيد من تعقيد المشهد، ويدفع بغداد للبحث عن حلول بديلة تضمن استمرار تدفق الغاز دون خرق مباشر للعقوبات، ما يفسّر – بحسب بعض المختصين – التوجّه نحو سيناريو "نقل الغاز الخام لمعالجته ثم استرجاعه" كطريقة للتملّص من القيود المالية المباشرة.

