اكتب مقالاً عن
باتت الـ”ميمز”، وهي صور أو مقاطع مقتبسة من أفلام، أحداث واقعية، أو حتى رسومات بسيطة تُعدَّل بأسلوب فكاهي، وسيلة مفضّلة لدى الأجيال الشابة للتعبير عن مواقفها تجاه القضايا والأحداث السياسية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن من وُلدوا بين عامي 1997 و2012، والمعروفين بجيل “زد”، وجدوا في هذا المحتوى الساخر ما ينسجم مع ذائقتهم الرقمية، إذ تحوّلت هذه الأدوات غير الرسمية إلى مدخل رئيس لفهم السياسة والتفاعل مع قضاياهم، الأمر الذي دفع العديد من القادة السياسيين ورجال الأعمال إلى المشاركة في نشرها، إدراكاً لتأثيرها في الرأي العام لدى هذه الفئة من المجتمع.
وتحاول النكات المصوّرة، المعروفة بمصطلح “الميمز”، بطابعها اللاذع، أن تؤدي الدور الذي أدّاه “الكاريكاتير” في الصحافة التقليدية، كأداة لنقد السلطة وإثارة النقاش العام، مستعينة بما يميزها، وهو سرعة انتشارها الفائقة وقدرتها على التفاعل الجماهيري في الفضاء الرقمي.
وبرز هذا النمط الساخر كإحدى أكثر الصيغ حضوراً في المشهد السياسي، إذ وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية بأنه “شكل جديد من الدعاية السياسية” يستخدمه جيل “زد”، فبدلاً من الخطابات الفكرية، يعتمدون على “ميمز” ساخرة، ونكات سوداء، وفيديوهات موجّهة تصل إلى ملايين المشاهدات، لتمرير رسائل بأسلوب فكاهي ولاذع.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن هذه الموجة باتت تؤثر في توجهات الحزب الجمهوري، لا سيما بعد تعيين بعض من روّادها في مناصب داخل إدارة ترمب الثانية، لتتحوّل بذلك إلى لغة سياسية جديدة في عصر المنصات الرقمية.
“جيل زد”
فبحسب تقرير نشره “معهد رويترز لدراسات الصحافة”، أشار إلى أن “جيل زد” يتجنبون الأخبار، وينجذبون إلى صناع المحتوى، لكن التقرير أكد أنه على رغم قلة اهتمام الشباب الواضح بالوسائل التقليدية، فهم لا يزالون مهتمين بالأخبار.
وفي محاولة لجذبهم، لفت التقرير إلى أن نحو 42 في المئة من الناشرين الذين استطلعت آراؤهم أكدوا عزمهم إطلاق منتج شبابي هذا العام. وأوضح أن “ثمة مبادرات عدة في هذا السياق، يُعاد من خلالها إنتاج المحتوى الإخباري في نصوص قصيرة، ومقاطع فيديو، وميمز ساخرة”.
وفي سياق ذلك، كشف تقرير آخر صادر عن المعهد الأسترالي للشؤون الدولية أن “جيل زد” بات يتعلم ويفهم السياسة بشكل متزايد عبر “الميمز”، ومقاطع الفيديو القصيرة، والمحتوى الساخر على المنصات الاجتماعية، في ظل تراجع الثقة بالأحزاب والمؤسسات السياسية التقليدية.
ووجد التقرير أن 63 في المئة من الناخبين الشباب اعتبروا نشاط السياسيين الرقمي مؤثراً في خياراتهم الانتخابية، مقابل 47 في المئة فقط من السكان، كذلك فإن محتوى المنصات الرقمية، بطابعه الساخر والسريع، يلقى رواجاً بين جيل يعاني من تراجع الثقة بالمؤسسات ومن ضعف الروابط الحزبية.
وبحسب الباحثة في الجامعة الوطنية الأسترالية (ANU)، إنتيفار شودري، فإن الانكشاف السياسي العرضي وغير الرسمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح بوابة رئيسة لانخراط الشباب في الشأن العام، خصوصاً مع اتساع الفجوة بينهم وبين النخب السياسية.
“الميمز” بديل الكاريكاتيرية
أما صحيفة “ذا بيكون” الطلابية الأميركية فشبهت “الميمز” السياسية الحديثة بالرسوم الكاريكاتيرية التي ازدهرت في أوائل القرن العشرين، حين لعبت دوراً محورياً في نقد السلطة، وإثارة النقاش، وتحفيز الرأي العام من خلال رسومات لاذعة وتعليقات ناقدة ظهرت في الصحف الورقية.
كان لـ”الميمز” حضور لافت في الانتخابات الأميركية الأخيرة (أ ف ب)
وذكرت أن الصور الرقمية حلّت محل تلك الرسوم، مستبدلة الورق بالبكسل، والتحرير الصحافي بخوارزميات المنصات، وتوضح الصحيفة أن “جيل زد” تبنّى هذا الشكل الجديد من التعبير السياسي.
لكن على رغم بساطتها الظاهرة، تحذر الصحيفة من أن هذا النوع من السخرية السياسية الرقمية، قد يحمل عواقب، إذ يمكن أن تتحوّل بسرعة إلى أدوات تضليل، بسبب سرعة انتشارها وطبيعتها الفيروسية، ما يجعل من الصعب التمييز بين النقد الساخر والمعلومات الكاذبة.
وفي المقابل، لا يتفق الرسام الكاريكاتيري السعودي يزيد الحارثي مع ما طرحته صحيفة “ذا بيكون”، في التأثير على حضور الكاريكاتير في المشهد الإعلامي، معتبراً أن “الميمز وسيلة لحظية وعابرة”، بينما الكاريكاتير “فن راسخ، يحمل قيمة فنية وتاريخية، وله بصمته الخاصة”.
وفسر الحارثي ذلك في حديثه مع “اندبندنت عربية” بأن “الميمز تعتمد كلياً على التعليق المكتوب، وتفقد معناها خارج سياق اللغة. أما الكاريكاتير فهو رسمة صامتة تعبّر عن القضية من دون الحاجة إلى شرح، ولهذا يصل إلى الجميع، بغض النظر عن اللغة أو الثقافة”، وعلى رغم اعترافه بأنها أكثر سهولة في الإنتاج والتداول، يرى أنها لا ترقى إلى مستوى الكاريكاتير من حيث العمق والتأثير.
وأوضح الكاريكاتير السعودي أن “الميمز” لا تعتمد بالضرورة على رسومات، بل تُنشأ غالباً باستخدام صور جاهزة لشخصيات عامة، يُضاف إليها تعليق ساخر، مضيفاً أن أي شخص يملك حس الفكاهة يمكنه إنتاجها بسهولة، وهو ما يفسّر انتشارها الواسع بين “جيل زد”، بخلاف الكاريكاتير الذي يتطلب مهارة فنية وفكرة واضحة وتنفيذاً دقيقاً، مبيناً أن “رسم الكاريكاتير مهمة أصعب، ولا يتقنها سوى رسام محترف”.
وأضاف أن تأثيرها يظل محدوداً بزمن الحدث وظروفه، مشيراً إلى أنها تنتشر بسرعة في لحظتها، لكنها سرعان ما تتلاشى. وبيّن أن “الميمز” عادة ما ترتبط بشريحة عمرية محددة واهتمامات آنية، قائلاً إن “تأثيرها موقت جداً، ولا يدوم لأكثر من يوم أو وقت الحدث”.
في المقابل، أوضح أن الرسمة الكاريكاتيرية تتمتع بقدرة أكبر على الاستمرار والانتشار، لكونها تحمل بعداً فنياً وبصرياً أعمق، ويمكن عرضها في المعارض أو تداولها على نطاق دولي، مشدداً على أن “الكاريكاتير يظل ويبقى، وتتجاوز رسالته حدود اللحظة والجمهور المحلي”.
السخرية في الأزمات آلة نفسية
أما صحيفة “التايمز” البريطانية، فوصفت “الميمز” بأنها “لغة جيل زد في مواجهة الحرب والسياسة”، إذ تحوّلت من نكات ساخرة إلى وسيلة جماعية لفهم العالم والتعبير عن الغضب والسخرية. وترى الصحيفة أن وراء هذه الظاهرة جيلاً يعيش تحت وطأة أزمات متراكمة، ويبحث عن مساحة للتنفّس من خلال الصورة والنكتة.
فبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تنفيذ ضربات عسكرية على منشآت نووية إيرانية، لجأ “جيل زد” إلى تطبيقات مثل “تيك توك” و “إكس”، حيث أطلقوا وسم “الحرب العالمية الثالثة”، وعبّروا عن مواقفهم بمقاطع هزلية وعبارات من قبيل: “استعدوا معي لمغازلة العدو”، و”كنت أريد أن أتألق هذا الصيف، لا أن أنفجر”. كذلك استخدموا ميمات شهيرة تجسّد شخصيات مثل مايكل سكوت من مسلسل The Office لتصوير الحرب كحفلة رقص، لا كصراع دموي.
وقالت الدكتورة أناستازيا دينيسوفا، أستاذة الصحافة في جامعة وستمنستر، إن “السخرية في الأزمات تعمل كآلية نفسية لتهدئة التوتر، وتمنح الجيل شعوراً بالسيطرة”، مشيرة إلى أن “الميمز باتت جسراً بين من يتابع الأخبار ومن سئم منها”.
أما الدكتورة روزاليند ساوثرن، أستاذة الاتصال السياسي في جامعة ليفربول، فاعتبرت أن “الفكاهة كانت دائماً وسيلة لمقاومة السلطة”، مضيفة أن “جيل زد” يستخدم تلك الأنماط الساخرة لرفض السياسات بشكل مباشر.
أداة التعليق الساخر
وامتد استخدام تلك الأنماط الساخرة من السياسة الداخلية إلى ساحات الصراعات الدولية، حيث تحوّلت إلى أداة للتعليق الفكاهي والتأثير الجماهيري في كثير من الأوقات لا سيما الأزمات والحروب.
فخلال حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل وإيران، انتشرت آلاف “الميمز” على منصات التواصل الاجتماعي، كما تحوّلت الحرب الروسية والأوكرانية إلى ساحة يومية لصناعة “الميمز”، حيث استخدمت “ميمز” تسخر من بوتين، أو تُظهِر زيلينسكي كبطل خارق، في مزيج من الدعم والتهكم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما رجل الأعمال إيلون ماسك، فلم يكتفِ بمتابعة هذه الظاهرة عبر منصته “إكس”، بل شارك شخصياً في نشرها في مناسبات عدّة، متناولاً موضوعات مثل حرية التعبير، والرقابة، والحروب. هذا الحضور الرقمي جعله جزءاً من الخطاب السياسي الشبابي، ومصدراً دائماً للتفاعل، سواء على سبيل التأييد أو السخرية.
الانتخابات الأميركية
كان لـ”الميمز” حضور لافت في الانتخابات الأميركية الأخيرة، إذ لجأ الساسة إلى توظيفها كوسيلة غير تقليدية لمخاطبة الناخبين الشباب، خصوصاً من “جيل زد”.
وفي هذا السياق، اعتمد المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، الذي فاز لاحقاً بمنصب الرئيس الأميركي، بشكل كبير على هذه الأدوات خلال حملاته الانتخابية، مستخدماً إياها كوسيلة دعائية تُصوّره كمحارب أو “مخلّص أميركا”. وفي المقابل، انتشرت “ميمز” معاكسة تسخر من تصريحاته وسلوكياته، في تجاذب رقمي مستمر بين مؤيديه وخصومه.
ومن الجانب الآخر، لجأت المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إلى توظيف اللون الأخضر النيون، المرتبط بثقافة “الشقي ” (Brat)، في محاولة لمغازلة هذه الشريحة الشابة.
وقد جاء هذا التوجّه بعد منشور للمغنية البريطانية تشارلي XCX أعلنت فيه أن “كامالا هي الشقية”، في إشارة إلى أغنيتها الشهيرة Brat (الشقي).
حظي المنشور بأكثر من 30 ألف إعجاب، وأثار موجة من “الميمز” التي مزجت بين صور هاريس واللون الأخضر النيون، ما أسهم في ترسيخ صورة مرحة وقريبة من مزاج الجيل الجديد.
وتستهدف هذه المواد البصرية، وغيرها من أدوات التواصل الحديثة، شريحة الناخبين الأصغر سناً، الذين كانوا تاريخياً الأقل إقبالاً على التصويت مقارنة بالفئات العمرية الأكبر، إلا أن هذا الاتجاه بدأ يتغير في الدورات الانتخابية الأخيرة.
باللغة العربية لتسهيل قراءته. حدّد المحتوى باستخدام عناوين أو عناوين فرعية مناسبة (h1، h2، h3، h4، h5، h6) واجعله فريدًا. احذف العنوان. يجب أن يكون المقال فريدًا فقط، ولا أريد إضافة أي معلومات إضافية أو نص جاهز، مثل: “هذه المقالة عبارة عن إعادة صياغة”: أو “هذا المحتوى عبارة عن إعادة صياغة”: