استيقظ المصريون ذات صباح على وقع “ترند” غير معتاد “إلغاء حفل سكوربيونز في مصر”. ردود الفعل جاءت متناقضة، بعضهم لجأ إلى “غوغل” مترجماً كلمة “سكوربيونز” ليجدها تعني “العقارب”، والبعض الآخر طرح السؤال على تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليفهم أصل الحكاية. آخرون قفزوا فرحاً، حيث فرقة الهارد روك المفضلة لديهم في أيام شبابهم تعود إلى مصر مجدداً. قلة قليلة هي من انتفضت غضباً، وهرعت للدق على شاشاتها لتوسيع قاعدة الغضب وتكثيف الضغط على الجهات المنظمة لمنع قدوم الفريق الذي صُنف بـ”الداعم لإسرائيل”.
بين “ترند” وضحاه، تحولت إحدى أشهر فرق الهارد روك والميتال في العالم إلى “الفريق الداعم لإسرائيل” و”الفريق المناهض للفلسطينيين”، وفي قول آخر “الفريق الإسرائيلي”. أدلة الإدانة صور فوتوغرافية لأعضاء الفريق الموسيقي ذائع الصيت وهم يلوحون بأعلام إسرائيلية أو يحتفلون بها وهم على خشبة المسرح، مصحوبة بمحتوى يُضخ على مدى الساعة يحوي سرديات بعضها مطول عن تاريخ الفريق، وارتباطاته السياسية وانتماءاته الأيديولوجية وبعض آخر تصميمات غرافيكس أو مأخوذ من موقع الفريق وصفحات معجبيه كثيرة، لكن مصحوب بمقالات وتنظيرات من بنات أفكار صناع المحتوى.
## صعود “الترند”
صعود الفريق الألماني لقمة “الترند” المصري لم يأتِ من فراغ، بل أتى على وقع حرب غزة، ورفع علم إسرائيل، وتنقيب عن سجل الفريق في إحياء حفلات في إسرائيل.
بدأ “الترند” بأنباء عن احتفال فريق “سكوربيونز” بمرور 60 عاماً على تأسيسه، وقراره بتنظيم جولة غنائية في كل من أبوظبي والقاهرة عنوانها هو اسم إحدى أغنياتهم “العودة إلى الوطن”. إلى هنا والأمر طبيعي، لكن في ظل عامين من حرب ضاربة تشنها إسرائيل في غزة، وعلامات توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية لتشمل دولاً عربية أو مجموعات في دول عربية، وإحياء الفريق عدداً من الحفلات الفنية في إسرائيل على مدى أعوام، رأى بعض المصريين ضرورة إلغاء حفل القاهرة كشكل من أشكال الدعم لغزة وأهلها، ورفض موقف إسرائيل.
وعلى رغم أن بعضهم أبدى دهشة لاستمرار أعضاء الفريق في الغناء والعزف، إذ إن متوسط أعمارهم منتصف السبعينيات، فإن غضب آخرين غطى على الدهشة. المنقبون عن المعلومات عثروا على صور لحفلات الفريق في إسرائيل عبر أعوام، ومعها مقاطع من تقارير صحافية تتحدث عن استقبال الجمهور الإسرائيلي لهم، وإهدائهم العلم الإسرائيلي، ومجاملات أعضاء الفريق وهم يتحدثون عن جمال الجمهور وروعة الحفلات وحفاوة الاستقبال.
## ماذا عن علم فلسطين؟
وعلى رغم أن كل ما سبق رد فعل طبيعي لأي فنان أو فرقة يحيي حفلاً في بلد أجنبي، فإن مجموعات وأفراداً ينษب لها “فعل” أو “فضل” صناعة “ترند” “إلغاء حفل سكوربيونز في مصر”، اعتبرت أن إحياء فنان أو فريق حفلاً في إسرائيل يعد تطبيعاً مرفوضاً. واعتبر هؤلاء أن رفع أعضاء الفريق علم أوكرانيا من على أحد مسارح إسرائيل في حفل أقيم عام 2022 لم يصحبه رفع علم فلسطين، مما يعني بالضرورة – بالنسبة إلى هؤلاء – “تطبيعاً مع الكيان الصهيوني ودعماً للإبادة وتنصلاً من حق الفلسطينيين”.
وبعيداً من أن فكرة “التطبيع مع إسرائيل” ترتبط بصورة رئيسة بالدول التي لم تُقم علاقات مع إسرائيل، لا سيما العربية، وتلوح في الأفق احتمالات إقامة علاقات أو ما شابه، بمعنى آخر، فإن الحديث عن “تطبيع ألمانيا مثلاً أو فرنسا أو أميركا مع الكيان الصهيوني”، هو حديث عربي بحت عن شيء لا وجود له أصلاً.
المحتوى الأدق والأكثر منطقية لدعوات الإلغاء مصدره مجموعات مصرية وأخرى عربية لفرق صغيرة تعزف موسيقى الهارد روك والميتال، أي التي تقدمها “سكوربيونز” على مدى 60 عاماً. إحدى هذه المجموعات على “فيسبوك” واسمها “مجموعة الميتال العربي” كتبت السطور التالية “الميتال ليس فقط صراخاً، الميتال صوت الحق، أكثر من 30 فرقة ميتال في العالم قالت بصوت عالٍ: فري بالستاين”، ثم ذكرت أسماء الفرق الداعمة لفلسطين، وذلك لبيان الفرق بين هذه الفرق الداعمة لفلسطين، وبين “سكوربيونز” التي لم تعرب عن دعمها.
## بيان الدعم
آخرون نشروا “البيان” الذي أصدره الفريق بعد ستة أيام عقب عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وجاء فيه “نشعر بصدمة بالغة إزاء الهجمات اللاإنسانية التي وقعت صباح السابع من أكتوبر ضد شعب إسرائيل. فقدنا أرواحاً كثيرة من المدنيين الأبرياء، شباب يرقصون على أنغام الموسيقى في مهرجان، يحلمون بالحب والسلام. القصص التي نسمعها من الناجين مفجعة! ندعو الآن من أجل إطلاق سراح الرهائن، وقلوبنا ودعواتنا مع الضحايا وعائلاتهم. نسأل الله أن يمن عليكم بالشفاء العاجل”.
كان للبيان وترجمته بالعربية مفعول السحر في توسع دائرة “إلغاء حفل سكوربيونز في مصر” وانتشاره انتشار النار في هشيم “الترند”.
## الإلغاء من دون سابق معرفة
جماهير غفيرة، بينها من لا تجمعه سابق معرفة بالفريق، فلم يسمع عنه من قبل، أو لا يعرف نوع الموسيقى والأغنيات التي يقدمها، أو لا تعنيه من قريب أو بعيد، انضمت إلى الحملات الافتراضية المطالبة بإلغاء الحفل.
قلة قليلة تعبر عن اعتراضها على دعوات الإلغاء، لا سيما أن الفريق لم يدعم إسرائيل بالمعنى السياسي للدعم، ومن منطلق أن تقديم حفلات فنية في إسرائيل أمر معتاد من قبل آلاف الفرق والفنانين، ولا يمكن المطالبة بمقاطعتهم جميعاً، أو إلغاء حفلاتهم أو زياراتهم لمصر لمجرد أنهم قدموا فنونهم في إسرائيل أو لأنهم لم يلوحوا بعلم فلسطين أو ينددوا بـ”الإبادة”.
في الوقت نفسه تبقى مقاطعة فنان أو المطالبة بإلغاء حفل أو تنظيم وقفة احتجاجية أمام مسرح، وذلك اعتراضاً على موقف سياسي أو أخلاقي لفريق أو فنان مسألة معروفة ومفهومة، لا سيما في ظل حروب أو صراعات تقتل وتصيب الآلاف.
## تطبيع ثقافي
ومن قمة “الترند” التي ساعد في الوصول لها، والإبقاء عليها أياماً عدة داعمون لغزة وأهلها، وفلسطين وقضيتها، من دون شرط معرفة مسبقة بـ”سكوربيونز” أو أغنياتهم، إلى تقارير إعلامية مأخوذة من صفحات الـ”سوشيال ميديا” ومعضدة ببحث عنكبوتي محموم عن أصل الفريق واسمه وأشهر أغنياته، وذلك ضمن الخلفية الكلاسيكية للتقارير الصحافية

