الكلاب والخيول والفئران والثعابين: أبطال الكوارث
لم أكن أبحث عن شيء محدد في تلك الزيارة السريعة إلى المكتبة المحلية حين لفت نظري بين الرفوف عنوان غير مألوف "كلب الرعد"، شدَّني الغلاف أولاً، ثم العنوان الفرعي "قصة حقيقية لرجل أعمى، وكلب الإرشاد، وانتصار الثقة"، لم أكن أتوقع أن أقرأه في جلسة واحدة، لكنني فعلت.
في قلب أحداث الـ11 من سبتمبر
صفحة بعد أخرى وجدت نفسي في قلب أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول)، لا من منظور سياسي أو أمني، بل من زاوية إنسانية بحتة، رجل أعمى يقوده كلبه بأعجوبة عبر 78 طابقاً من الظلام والدخان والفوضى، لم يكن ذلك مجرد كلب، بل مرشد ومنقذ وشريك في النجاة، عندما أنهيت الكتاب، بقي السؤال يتردد في ذهني: كيف يمكن لحيوان أن يكون بهذا الذكاء، بهذه الشجاعة، وبهذا الأثر في لحظة كارثية؟
أدوار استثنائية في لحظات استثنائية
في كل كارثة كبرى نسمع عن فرق إنقاذ من البشر، لكن ما لا يذكر دائماً هو أن بعض هذه الفرق تعتمد على رفاق غير بشريين: كلاب وخيول وفئران، وحتى ثعابين، يؤدي كل منها دوراً قد يكون الفاصل بين بين الحياة والموت.
الكلاب
تعد الكلاب العمود الفقري للإنقاذ، فعلى سبيل المثال بعد زلزال تركيا المدمر عام 2023 ظهرت عشرات القصص عن كلاب إنقاذ تسابق الزمن بحثاً عن ناجين تحت الأنقاض، وأصبح الكلب "بروتيو" من وحدة الإنقاذ المكسيكية رمزاً للبطولة بعدما فقد حياته أثناء أداء مهمته، وفي انفجار مرفأ بيروت عام 2020 ساعدت كلاب إنقاذ من دول عدة في تمشيط المنطقة المدمرة، بحثاً عن أحياء وسط الركام.
الخيول
بينما تعد الخيول خير حليف في التضاريس القاسية، فعلى رغم عدم ارتباطها عادة بعمليات الطوارئ، فإن الخيول تلعب دوراً جوهرياً في بعض البيئات، في تكساس مثلاً، وأثناء الفيضانات المتكررة، تستخدم لعبور المناطق التي لا تصل إليها السيارات أو القوارب، حاملة على ظهورها معدات أو حتى أشخاصاً، وفي أستراليا، خلال حرائق الغابات، تستخدم الأحصنة في عمليات الإجلاء داخل الغابات الكثيفة، حيث لا يمكن لطائرات الهليكوبتر أو المركبات المصفحة أن تمر.
الفئران
من جهة أخرى تظهر الفئران كأبطال غير متوقعين في ساحة الألغام، وفي أفريقيا، وتحديداً في دول مثل موزمبيق وأنغولا، تستخدم فئران ضخمة من نوع "الجرذ الغامبي العملاق" ضمن مشروع "أبوبو"، وهو برنامج بلجيكي لتدريب الفئران على كشف الألغام، تتميز هذه الفئران بوزنها الخفيف الذي يمنع تفجير الألغام، وقدرتها على شم مادة TNT بدقة مدهشة.
الثعابين
أما الثعابين، فعلى رغم مظهرها البارد، فإن أجسامها تعمل كهوائيات دقيقة تلتقط الإشارات الأرضية، فهي لا تسمع كما نفعل نحن، لكنها تشعر بالاهتزازات الأرضية من خلال عظام فكها السفلي، المتصلة مباشرة بعناصر سمعية دقيقة تنقل الذبذبات إلى الجهاز العصبي، يجعلها هذا التكوين تستجيب لتحولات تحت الأرض لا يمكن لأذن الإنسان أو حتى بعض الأجهزة الحديثة رصدها، ويعتقد بعض الباحثين أن قدرتها على رصد تغيرات في الحرارة والمجالات الكهرومغناطيسية قد تكون ناتجة من نظام حسي مدمج أشبه بشبكة إنذار طبيعية.
لماذا تمتلك هذه الحيوانات قدرات فريدة؟
ليس من قبيل المصادفة أن تتفوق الحيوانات في مهام الإنقاذ أو التنبيه على البشر، وحتى على بعض الأجهزة المتقدمة، فخلف أدائها المذهل تكمن بنية حسية وعصبية مصممة بفعل الطبيعة والتطور، لتلتقط ما لا نراه ولا نسمعه.
الكلاب
خذوا الكلاب مثلاً، في أنف الكلب أكثر من 200 مليون مستقبل شمي، مقارنة بنحو 6 ملايين فقط لدى الإنسان، لا يعني هذا فقط أن حاسة الشم لدى الكلب أفضل قليلاً، بل إنها أدق بعشرات آلاف المرات، ويمكن للكلب أن يلتقط رائحة بشرية من تحت أمتار من الركام أو المياه، أو أن يميز بين روائح متداخلة داخل مشهد فوضوي كمنطقة منكوبة، لهذا تستخدم في عمليات الإنقاذ بعد الزلازل والانفجارات، وأيضاً للكشف عن الأمراض في المراحل المبكرة، من السرطان إلى كورونا، بدقة تصل أحياناً إلى 94 في المئة بحسب دراسات حديثة.
الفئران
بالنسبة إلى الفئران فإن السر لا يكمن فقط في خفة وزنها، بل في أنظمتها العصبية المصممة للاستجابة الدقيقة للروائح، تمتلك الفئران نظاماً شمياً شديد الحساسية يمكنها من تمييز مركبات كيماوية مثل مادة TNT المتفجرة حتى بتركيزات ضئيلة جداً.
الثعابين
أما الثعابين، فعلى رغم مظهرها البارد، فإن أجسامها تعمل كهوائيات دقيقة تلتقط الإشارات الأرضية، فهي لا تسمع كما نفعل نحن، لكنها تشعر بالاهتزازات الأرضية من خلال عظام فكها السفلي، المتصلة مباشرة بعناصر سمعية دقيقة تنقل الذبذبات إلى الجهاز العصبي، يجعلها هذا التكوين تستجيب لتحولات تحت الأرض لا يمكن لأذن الإنسان أو حتى بعض الأجهزة الحديثة رصدها، ويعتقد بعض الباحثين أن قدرتها على رصد تغيرات في الحرارة والمجالات الكهرومغناطيسية قد تكون ناتجة من نظام حسي مدمج أشبه بشبكة إنذار طبيعية.
الخيول
أما الخيول فقد تطورت لتكون على وعي دائم بمحيطها، إذ تعتمد غريزتها في النجاة على اكتشاف الخطر قبل وصوله، وتمتلك الخيول مجال رؤية يصل إلى نحو 350 درجة، أي إنها ترى تقريباً كل ما حولها من دون الحاجة إلى الالتفات، وتتمتع بحاسة سمع تلتقط الترددات العالية والمنخفضة معاً، بفضل آذانها القادرة على التحرك بصورة مستقلة لالتقاط الأصوات من اتجاهات مختلفة.
ما قبل الكارثة… هل تحذر الحيوانات فعلاً؟
قبل أن تهتز الأرض أو تجتاح المياه اليابسة، يقال إن بعض الكائنات "تعرف" أن شيئاً ما قادم، مشاهد متكررة في شهادات الناجين من الكوارث تتحدث عن طيور فرَّت فجأة، أو كلاب تغير نباحها، أو أسماك قفزت من الماء بلا سبب، قد تبدو هذه_Questions خيالية، لكنها في السنوات الأخيرة وجدت طريقها إلى المعامل ومراكز البحث.
شركاء في مواجهة الكوارث
لا يمكن الحديث عن دور الحيوانات في الكوارث من دون التوقف عند الجانب الإنساني الذي يربط رجال الإنقاذ بهذه الكائنات الرائعة، يتحدث كثير من رجال ونساء الإنقاذ عن رابط وثيق بينهم وبين كلابهم أو خيولهم، علاقة مبنية على الثقة والصداقة والاعتماد المتبادل في أصعب الظروف.
التكنولوجيا والحيوانات: شراكة لإنقاذ الأرواح
مع تطور التقنية بدأ الإنسان في تسخير هذه القدرات أكثر من أي وقت مضى، حيث يتم تزويد كلاب الإنقاذ الآن بكاميرات حر

