يعتقد بعض الناس أن الـ “كاوبوي” صار مقتصراً على الأفلام الأميركية القديمة، ولا سيما تلك التي جرى إنتاجها في زمن الأبيض والأسود، فالأجيال الأكبر سناً تستحضر جون واين وكلينت إيستوود وغاري كوبر وجيمس ستيورات، ما إن تذكر كلمة “كاوبوي”. أما أجيال الوسط فيرتبط الـ “كاوبوي” لديها بإعلان السجائر الشهير الذي أصبح معروفاً بـ “رجل المارلبورو” أو “كاوبوي المارلبورو”، والذي على رغم بدء ظهوره في الخمسينيات فإنه اكتسب شهرته الحديثة نسبياً في السبعينيات.
## الـ “كاوبوي” فكرة
يبقى الـ “كاوبوي” فكرة أو منظومة، وأحياناً أيديولوجيا وثيقة الارتباط بأميركا سلباً وإيجاباً، في خيال الدراما وأثيرها، وعلى أرض الواقع بحلوه ومره، وتعود أصول الاسم إما للقرن الـ 16 أو الـ 18 الميلادي لتضارب المصادر المؤرخة له، وفي كل الأحوال فإنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالغرب الأميركي وتوسع ثقافة ومهنة تربية الماشية، ولا سيما الأبقار، وجذورها تكمن في التقاليد المكسيكية، ولكنها انتقلت إلى أميركا ليتحول راعي البقر الذي يمتطي حصاناً إلى بطل شعبي، وأحياناً لشخص خارج على القانون، معتمداً على مهارات جبارة وثقة في النفس وجرأة في مواجهة الأخطار.
## الصور المتناقضة للـ “كاوبوي”
الـ “كاوبوي” البطل يتمتع بالاستقلالية والشجاعة والاعتماد على النفس والنزاهة والتفاني والعمل الجاد والمضني والدفاع عن الحق والعدالة، وإن كان لا يلتزم بالقانون دائماً، أما الـ “كاوبوي” الآخر فمتهور ولا قيم أو مبادئ له، مخادع ومراوغ ويعتمد على دهائه وقوته العضلية وقدرته على الفرار، مغرور ويهوى التفاخر بقدراته ولو على حساب الآخرين، وما يجمع بين الـ “كاوبوي” في الحالين هو خروج كليهما على القانون، إضافة إلى الفردية الشديدة في التعامل مع الآخرين.
## لعبة مجموعها صفر
تصفت ريتشاردسون السياسات الجمهورية بين عامي 1981 و2021 بأنها أحدثت تغيرات جذرية في النظام السياسي الأميركي ودفعت بالحزب الجمهوري أكثر فأكثر نحو اليمين، كما ازداد خطاب الفردية الكاوبوية تطرفاً، وذكرت أن من بين التغيرات رفض السياسات الحكومية التي كانت تعزز التعاون الاجتماعي في داخل أميركا أو خارجها، وتقول إنه جرى استبدال المبدأ الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية والقائم على التعاون بين المتساوين بفكرة أن الأفراد الرجال يجب أن يسيطروا على المجتمع وينظمونه بما يرونه الأنسب.
## الرؤساء الكاوبوي
في كتابه “الرؤساء الكاوبوي… أسطورة الحدود والسياسة الأميركية (1990)” المنشور عام 2022، طبّق المؤلف دافيد سميث النظرية أو الأطروحة المعروفة بـ “أسطورة الحدود” التي ابتكرها المؤرخ الأميركي فردريك جاكسون تيرنر أواخر القرن الـ 19، والتي تقوم على أن استيطان الحدود الأميركية الوعرة كان عاملاً حاسماً في تشكيل ثقافة الديمقراطية الأميركية وتمييزها على الأوروبية، وأن السيطرة على الغرب المتوحش أثرت بصورة كبيرة في الثقافة والشخصية الأميركية، وشملت سمات هذه الثقافة الفريدة الديموقراطية والمساواة وعدم الاهتمام بالثقافة البرجوازية مع إمكان اللجوء إلى العنف لتحقيق الغايات.
## دبلوماسية الكاوبوي
وعن دبلوماسية الـ “كاوبوي” يقول “تشات جي بي تي”، من دون ذكر ترمب من قريب أو بعيد، إنها توليفة من السياسات الحازمة والمفاجئة أحادية الجانب، وفيها قدر كبير من المخاطرة والاستعداد لاستخدام القوة العسكرية، فهي أسلوب يرتبط بنهج قوي وفردي، وأحياناً عدواني في العلاقات الدولية، وسماته المميزة هي العمل الحاسم والقرارات السريعة وتجاهل المعايير الدولية والميل إلى التصرف بصورة أحادية، وتجاهل الآراء المختلفة للحلفاء أو المؤسسات الدولية والاستعداد للتدخل العسكري أو التهديد باستخدام القوة لتحقيق الأهداف السياسية، في خطاب قوي غالباً يكون تصادمياً، ونظرة عالمية تبسيطية حيث الميل إلى رؤية المواقف الدولية المعقدة من منظور بسيط تهيمن عليه القوة، مع التركيز على مظهر ومنهج القوة والاعتماد على النفس من دون الحاجة إلى الآخرين.
## الـ “كاوبوي” في العصر الحديث
الـ “كاوبوي” لم تعد مجرد صورة ذهنية لرجل يمتطي حصاناً أو قبعة مميزة أو أفلاماً هوليودية تقدم أدواراً لـ “كاوبوي” طيب وآخر شرير، فاليوم يتحدث كثر عن عودة منظومة الـ “كاوبوي” فرحين بأنها تمهد الطريق أمام جعل أميركا عظيمة مجدداً، أو مستائين لأنها تجعل أميركا تبدو وكأنها شرطي العالم أو مخلصه أو رئيس مجلس إدارته.