منذُ فجر التاريخ، ويقتْنص الشَّعب المصريُّ العظيم حُريَّته المستحقَّة من قِبل المُسْتبدِّ في صورة ملاحم شعبيّة قد سُطِّرت بماءٍ من ذهب، ذلك الوطنُ بطبيعته لا يقبلُ كل من يحاول أن يفْرضَ هواه على ما تربَّى عليه المجتمعُ المصريُّ من قيمٍ نبيلةٍ، تقوم على الصِّدق، والأمانةِ، وشرف العهْد، والوعْد، والحفاظ على مُقدِّرات هذا الوطنِ، وتوفير مُقوِّمات التعايش السِّلميِّ من أمن، وأمان، واستقرار، واحتواء للجميع؛ فالنَّسيجُ الوطنيُّ المِصريُّ له مُكوّنٌ واحدٌ فريدٌ في مكْنونه، لا يقبل المسَاس به، أو محاولة النَّيل منه.
حُريِّة الأوْطان، وخروجها من الأنْفاق المُظْلمة، لها أثمانٌ تُدْفعُ بدماءٍ زكيَّةٍ، وأرْواح نقيّة، ومُقدّراتٍ قد تُضار من أجل أن يكْبحَ جماعاتٍ ضالّةٍ، تودُّ بثِّ سُمُومها في رئة هذا الوطن؛ ليبقى مريضًا لعهودٍ، وعقودٍ من الزَّمن، ويظلُّ مُنْقادًا، ومنْكسرًا، وهذا بكل تأكيد يُعَدُّ ضرْبًا من المستحيل في مِصْرنا الحبيبة، التي لا يقبل فيها شعبها الأبيِّ الأفكارَ الشَّاذَّة، والعقيدة المُشوَّهة، التي تسْتهدفُ دحْر ماهيّة الدَّولة، وتُلْقي بها في اليمِّ.
في قاهرة المُعزِّ رجالٌ، لا يفكّرون كثيرًا من أجل إنقاذ الوطن من أصحاب الفكر الذي يعْقِدُ المؤامرات، ويكيدُ المكائد؛ كي يقعَ المصريون في براثن النِّزاع، وتتفكَّكَ لُّحْمته، ووحْدَته، وتُحقِّقَ آماَله، وطُموحَاته نحو نهضته في مهبِّ الرِّيح العاتية، التي لا تُبْقي، ولا تذَرُ؛ ومن ثم تُقدِّمُ التضحياتِ؛ لتبْترَ سرطاناتٍ خبيثةً، قد أرادتْ أن تسْتفْحِل في جسد هذا الوطن، وهنا كانت الجائزةُ، التي نحْصُدُها الآن على أرْض البلد الأَمين؛ حيث الأمانُ، والاستقرار، والطُمأْنينة، رُغْمَ ما يُحيطُ بنا من صراعاتٍ داميةٍ على مدار السَّاعة.
من ضحَّى بكل شيء من أجل هذا الوطن، لا شكَّ أنه قد امتلك الولاء، والانتماء، وتربَّي على قيم نبيلة في مُقدِّمتها الشَّرفُ، والأمانة، والإيثار، وتحمُّل المسْئُولية، والبطولة، التي قد تجرَّعها من مصْنع الرجال، التي يجعله لا يقبل الانهزامية، ولا يتراجع عن موقف قد اتَّخذه، ولا يتردَّدُ بشأن غايات الوطن العُلْيا؛ لذا فإنه يتَّخذُ قراره، ويدافعُ عن وطنه مهما كلَّفه الأمرُ من تضحياتٍ تلْو الأخرى؛ فالحُرَّيةُ ندرك أن ثمنَها، لا يُقدَّرُ، ويُدْفعُ في سبيلها كل غالٍ، ونفيسٍ.
ثورة 30 يونيو قد مهَّدتْ للمصريين طريقًا نحو المستقبل المُشْرقِ، المُفْعم بآمالٍ، وطموحاتٍ قد بدتْ ملامِحُها على أرض الواقع، وهنا نُثَّمنُ موقف الشَّعب العظيم مع قائده الهمام، الذي قد تضافر، واصْطفَّ، والْتفَّ حول الدَّوْلة، ومؤسَّساتِها الوطنيّة؛ ليصبح الموقفُ، والقرارُ مدعومًا بجمهور يدافع عن حقوقه، وتطلُّعاتِ أجيال لها حقُّ العيْش في سلامٍ، وأمانٍ واستقرارٍ؛ لتستكمل بناء جمهورية جديدة تزْخر بمشروعات قوميَّة، ما كان لها أن ترى النُّور إلا بتكاتف الجهود، وقوَّة الإرادة، والعزيمة على المستويين: المؤسسيِّ، والشعبيِّ، تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي قائد مسيرتنا المُباركة.
دون مواربة نحن نُجْنِي ثمراتٍ يانعةً، جرَّاء ثورةٍ مُباركة، قد كشف عن أصالة الشَّعبِ المِصْريِّ العظيم، ووعْيه لدور جيشه الباسل، وشُرْطته، صاحبة شرف البطولات، والتضْحية، والفِداء، ونُبْل، وخلْق قيادة سياسيّة، قد صنعتْ واتَّخذتْ القرار من أجل أن تكْتُبَ تاريخًا لمرحلة المجد لهذا الوطن الكبير، الذي يسْتحقُّ منَّا أن نعمل جميعًا؛ كي يُصبحَ في مصافِّ الدول المُتقدّمة، ويزْدهرَ بما يليق بتاريخه، وحضارته المُتجذِّرة.
ستظلُّ ثورة 30 يونيو طريقًا لمستقبل مشرق، يحمل بين طياته الخير للجميع، وسوف تسْتمرُّ الْهامات هذه الثورة؛ لتمُدَّنا دومًا بالقوة، التي تجْعلُنا نحافظ على مكتسباتها، عبر مزيد من العمل الجادِّ، المُتْقنِ، والعطاءِ المُسْتدام من قِبل كل مواطن مصريٍّ، يعْشقُ ترابَ هذا البلد؛ ومن ثم ننْهضُ بمُقدِّرات بلدنا، ونُقدِّم بكل محبَّة، ورضا التضحيات تلْو الأُخْرى؛ لتصبحَ مصرُ البلد الأمين واحةً للسَّلام ما دامتْ السَّماواتُ، والأرْضُ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أ. د / عصام محمد عبد القادر
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بالقاهرة _ جامعة الأزهر
