حوار بصري عميق: حيث يتلاقى العالم الحضري مع الطبيعة الهادئة
مقدمة
قبل أن يلتقي هذا الثنائي الفني، كان لكل منهما عالمه الإبداعي الخاص، حمدي رضا، ابن القاهرة الصاخبة، استمد إلهامه من الإيقاع الحضري المتسارع للمدينة، بينما تشكلت الرؤية الفنية لشارلوت في أحضان الطبيعة الهادئة، إذ نشأت في جنوب غربي ألمانيا. المفارقة اللافتة تكمن في أن المعرض يكشف عن تشابهات مدهشة في أعمالهما القديمة التي أنجزت قبل لقائهما، وكأنما كانت الأقدار تعد لهما لقاء فنياً يتجاوز حدود الزمان والمكان.
رحلة إبداعية مشتركة
بعد ست سنوات من العيش والعمل المشترك، يقدم الزوجان هذا الحوار البصري العميق، بعد رحلة طويلة قضاياها معاً، من النقاش والحديث المتواصل حول الفن إلى الزيارات المتكررة للمتاحف والمعارض في مصر وألمانيا وغيرهما من الدول. هذا التقارب والتمازج بين الموروثات الفنية المتباينة أتاح لهما صياغة لغة بصرية جديدة، تجمع بين الأصالة والحداثة، وبين الجذور العميقة والرؤى المعاصرة.
عوالم تخييلية
يأخذنا المعرض في رحلة زمنية فريدة، إذ يعرض أعمالاً تعود لفترات مبكرة من مسيرة كل فنان. تتنوع المواد المستخدمة في الأعمال المعروضة بين الحبر والورق التقليدي وألوان الإكليريك والكولاج، مما يعكس ثراء التجارب والخامات التي استكشفها كل منهما. ولكن الأكثر إثارة هو استخدام تقنية "السيانوتايب" (Cyanotype) التي تنتج صوراً باللون الأزرق الساحر. هذه التقنية، على رغم بساطتها الظاهرة، تحمل في طياتها إمكانات تعبيرية هائلة، تتيح للفنانين خلق عوالم حالمة وخيالية. في هذه الأعمال، يتحول اللون الأزرق إلى لغة بصرية تحكي قصصاً تتخطى الواقع، وفي صياغات أشبه بمعالجات التجريد اللوني.
حوار بصري مخلّف
إذا كان حمدي رضا يستكشف عوالمه التخيلية المستلهمة من تجاربه الفوتوغرافية ورسومه المبكرة، فإن شارلوت تعيد اكتشاف علاقتها بالطبيعة عبر أعمالها. يقدم المعرض حواراً بصرياً مثيراً بين هذين العالمين، إذ تتداخل المناظر الطبيعية مع الرموز الحضرية، لخلق مشاهد تثير التأمل في العلاقة بين الإنسان وبيئته.
تنقل بين الأماكن والثقافات
في أحد الأعمال البارزة، يظهر بساط قماشي ملون مثبت عليه صورة تخيلية لجمل مجنح، بينما تبرز في أعمال أخرى تفاصيل دقيقة تحيل إلى التراث المصري أو الألماني. هذا التنقل بين الأماكن والثقافات ليس مجرد انتقال جغرافي، بل هو استعارة عميقة للبحث عن الهوية والانتماء في عالم يتسم بالتحول السريع.
لغة بصرية جديدة
ما يميز هذا المعرض أنه يمثل حواراً مستمراً بين فنانين تأثر كل منهما بالآخر بعمق، بعد سنوات من العمل المشترك، أصبح من الصعب تمييز الخط الفاصل بين بصمة حمدي وبصمة شارلوت في الأعمال الجديدة. هذا التمازج يظهر بوضوح في الأعمال التي تدمج تقنيات متعددة، إذ تتداخل الطباعة الفوتوغرافية مع الرسم التقليدي، لخلق لغة بصرية جديدة تماماً.
فلسفة إبداعية
يعبر حمدي رضا عن هذه التجربة بقوله: "الفن هو رحلة اكتشاف لا تنتهي، وشارلوت علمتني أن أرى الجمال في التفاصيل الصغيرة للطبيعة كما أرى الإيقاع في زحام المدينة". بينما تضيف شارلوت: "حمدي جعلني أدرك أن الفن يمكن أن يكون جسراً بين الأزمنة، بين الماضي والمستقبل، بين ما هو هنا وما هو هناك".
خلاصة
"اليوم هناك.. غداً هنا" هو عنوان يعبر عن فلسفة تعكس رحلة إبداعية استثنائية، تقدم للزائر فرصة نادرة للاطلاع على أعمال تجمع بين العمق الفكري والجمال البصري، وتطرح أسئلة جوهرية حول الهوية والذاكرة والانتماء.