المعلم صاحب الرسالة السامية شريك أصيل في بناء الإنسان؛ ومن ثم يقع على عاتقه المهمة الجليلة التي تكمن في تعديل السلوك عبر بوابة اكتساب الخبرات التعليمية التي يمارس من خلالها فلذات أكبادنا مهامًا محددة ومقصودة تسهم في تفردهم المهاري وصقل معارفهم في صورتها الصحيحة وتغذية وجدان بقيم نبيلة وأخلاق فضيلة، وهنا نقر بأن عطاء صاحب الرسالة السامية لا ينضب ولا يفتر ولا يذهب جفاءً، بل نتاجه يتمثل في بناة الوطن حاملي الراية وحامي مقدراته وقاطرة نهضته.
هويتنا المصرية تتشكل بشراكة مؤسسية مقصودة بداية من الأسرة ومرورًا بالمؤسسة التعليمية التي يقدم فيها صاحب الرسالة السامية خبرات نوعية متكاملة في مجالاتها المعرفية والمهارية والوجدانية، وهنا نتحدث عن تعزيز السلوك المرغوب فيه في كل مجال سابق؛ لذا لا تؤثر المتغيرات أو ما يطرأ على الساحة على ثوابت تم ترسيخها في أذهان الأبناء؛ نتيجة لبناء الهُوِيَّة المصرية، التي يستحيل طمسها أو إضعافها أو استبدالها بهويات مستوردة لا تتسق مع طبيعة وخصائص وقيم وخلق المجتمع المصري.
تقوية دعائم النسيج الوطني في نفوس الأبناء سهلة المنال في ظل جهود منظمة عبر بوابة المؤسسات التعليمية، من خلال مهام أنشطة مقصودة يصممها المعلم صاحب الرسالة السامية ويجعل للمتعلم دور فاعل في ثنايا تلك المهام الوظيفية، وذلك في مرحلة التنفيذ، وهذا لا يرتبط بمادة دراسية بعينها؛ حيث نزعم أن سائر المناهج التعليمية يمكن استهلال محتواها في هذا الرض النبيل؛ فهذا دون مواربة يساعد في تعميق صورة الحضارة في الأذهان، بما يجعل الفرد يفخر بتاريخ بلاده بين الأمم والشعوب، ويعضد ويجذر للتقاليد المجتمعية التي تتسق مع الخلق الحميدة والقيم النبيلة.
طبيعة المنهج الظاهر والخفي نستطيع أن نقدح الأذهان بممارسات القيم النبيلة؛ لتصبح اتصافًا يتغذى عليه الوجدان، وتصير المعرفة في مكونها الصحيح وافية لاحتياجات البنى المعرفية؛ فلا يتعرض الأبناء لمشتتات الفكر وتشويه الأذهان، وهنا نضمن تشكيلًا ننشده لوجدان فلذات الأكباد، بما يؤكد أن الأمة المصرية تمتلك ثروات بشرية متفردة، تحوز الخبرة المصبوغة بقيم المواطنة الصالحة التي نشاهدها بعين اليقين في سلوكيات حميدة دلالتها رقة المشاعر ودفئها، وسمو الروح وجمالها، وحسن الخلق ورقيه، وحب الغير والإيثار على النفس، وقوة العزيمة والإرادة وقبول التحدي، وعفة اللسان والبنان.
فقه الأولويات بالنسبة لصاحب الرسالة السامية دومًا ما ينبري على تنمية مهنية وأكاديمية بصورة مستدامة، وهذا بالطبع لا ينقطع عن مواكبة التغيرات والتطورات التي تحوط البيئات التعليمية بأشكالها المختلفة؛ فهناك منصات رقمية تحتم التعامل معها وتوظيفها لتصبح فاعلة في توصيل خبرات التعلم لدى فلذات الأكباد، والأمر في هذا الخضم أضحى غير اختياري، بل فرضته تحديات جمة في صورة نوازل استشعرنا في لحظة ما أنها لن تنتهي.
البيئات الرقمية هيأت الفرصة كاملة لتعزيز فلسفة التدريس الإبداعي؛ فصاحب الرسالة السامية عبر المنصات التي بها مقومات التفاعل الصفي المباشر منه وغير المباشر تمكن من أن يقدم أنماط التهيئة والشروح والإيضاحات والتوجيه والإرشاد وحسن توزيع الأدوار ناهيك عن صور التعزيز والتغذية الراجعة، وأساليب التقويم، وهذا بالطبع ساهم في التغلب على الفروق الفردية بين المتعلمين؛ ومن ثم لبي الاحتياجات التعليمية وغير التعليمية، وصار التدريس في كليته فعالًا.
أصحاب الرسالة السامية نلحظ من نتاجهم الفكري ثراءً غير مسبوق؛ كونهم يمتلكون ماهية حب الاستطلاع والشغف العلمي؛ فيطالعون كل جديد في ميدان تخصصاتهم؛ ومن ثم يربطون بين خبرات التعلم بمناهجهم التعليمية والواقع المعاش؛ حينئذ تتعمق الخبرة في أركان الوجدان، ويصبح المتعلم متطلعًا لمزيد من الخبرات التي تصقل مهاراته وبتني معارفه وتغذي وجدانه، والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل، تجد أن الأبناء لديهم المنعة الفكرية تجاه كل مستورد يستهدف تشويه بوتقة الأفكار.
الاعتزاز بالثقافة والتاريخ الكائن في ثنايا الحضارة وتعزيز ماهية الفخر في وجدان الأبناء، من المهام الرئيسة لأصحاب الرسالة السامية؛ فبناء الإنسان وتشكيل الفكر الوطني والعقل المتقد بعشق الوطن يخلق جيلًا يستكمل مراحل ومسار بناء الأوطان ويحافظ على البنيان؛ بالإضافة إلى مهمة التأهيل والإعداد للحياة وسوقها المحلي والعالمي، عبر امتلاك مهارات متفردة نبلغ بها الريادة ونحقق من خلالها غمار التنافسية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
_____
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر