فقدت مصر خلال السنوات الأخيرة عددا من أعظم علمائها، وتجاهلتهم وسائل الإعلام، وصمتت عن ذكرهم جامعتهم جامعة القاهرة، فهذه الجامعة كنت أرى فيها جنازة العالم تخرج من كليته، ويحفها العلماء وتلامذة الراحل، وتقيم له الجامعة احتفاء تذكر فيه محاسنه، وحيث إن جامعة القاهرة تراجع دورها وخفت صوتها، فصار الصمت عن رحيل علمائها كما هو صمت الإعلام المصري عن ذكرهم.
في هذا المقال سأذكر اثنين من علماء جامعة القاهرة رحلا في صمت مع تجاهل الإعلام، لن يذكرهم لأنهم أهل العلم الذين ينجزن ويعملون في صمت دون طلب الضجيج أو التقدير، الأول هو الدكتور أحمد هويدي، الأستاذ والعالم البارز في الدراسات العبرية، والدكتور لطفي بولس، والذي يعد امتدادا لجيل من العلماء تفوق عليهم وهو ما سنركز عليه عند ذكره.
الدكتور أحمد هويدي رحل في صمت لا يتناسب مع قيمته، ونحن ندين له بالفضل وللدكتور هاني فتحي مرسي لترجمتهما الكتاب المهم (مقدمة في تاريخ إسرائيل) وهو كتاب مرجعي ألفه العالم الألماني يولويس فلهاوزن، والكتاب هو العمود الأساسي في علم النقد التوراتي ومن أبرز مؤلفاته:
اتجاهات نقد العهد القديم، أسفار العهد القديم: مدخل نقدي، تاريخ اليهود منذ أقدم العصور حتي نهاية العصر الفارسي، تاريخ يهود العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتي نهاية الدولة الفاطمية.
العالم العظيم من خلال تخصصه في الدراسات اليهودية بكلية الآداب جامعة القاهرة ودراسته للساميات في جامعة برلينجمع بين المنظورين العربي والألماني في الدراسات، فأخرج لنا كتابه الرائع (التوراة والقرآن في الفكر الاستشراقي) وكتابه المميز (مدخل إلى تاريخ الأديان) وغيرها.
كفاءة الدكتور أحمد هويدي جعلته مرجعا لا غنى عنه، فمد يده لكل الباحثين الشباب من مصر وخارجها صار بتواضعه وعطائه يضرب به المثل.
علم الفلورا المصرية
علم الفلورا المصرية هو العلم الذي يهتم بدراسة جميع النباتات الموجودة في البيئة المصرية وتصنيفها، وأشارت الدراسات إلى وجود 2672 نوعاً من النباتات البرية (900 نوع في البحر المتوسط – 765 نوعا في الصحراء – 534 نوعا في النيل – 527 نوعا في سيناء – 335نوعا في الواحات – 323 نوعاً في جبال علبه – 13نوعاً في البحر الأحمر) حيث تصل نسبة الأنواع النادرة جدا إلى نحو 850 نوعا، أما الأنواع النادرة فهي حوالي 567 نوعا وهي الأنواع المهددة بالانقراض، كما تصل الأنواع شائعة الوجود في كل أو معظم المناطق الجغرافية سالفة الذكر.
وقد وضعت ڤيڤى تاكهو لموسوعة مستفيضة عن نباتات مصرنشرتها في أجزاء متعاقبة ضمن مطبوعات جامعة القاهرة تحت اسم “نباتات مصر”. ظهر الجزء الأول منها عام 1941وشاركها في تأليفه كل من زوجها البروفسور جونار تاكهولم والأستاذ محمد درار من معشبة المتحف الزراعي. أما الجزئين الثاني والثالث فظهرا عامي 1950 و1954، بالإضافة إلى كتاب تدريسي عن الحياة النباتية المصرية لطلاب مرحلة البكالوريوس.
وموسوعة “فلورا مصر “(Flora of Egypt)هي موسوعة للنباتات الطبيعية في مصرأنجزها الرَّاحل الأستاذ الدكتور لطفي بولس والتي استحق بها أن يُخلِّد اسمه كعالِم مصري فذّ ضمن عشرين عالِماً فقط على مستوى العالم صنعوا صنيعته واستطاع أن يثبت كمواطن مصري قبل أن يكون عالِماً أنَّه يتحدَّى المستحيل لأن يفعل مثلهملذا استطاع العالِم الرَّاحل دون غيره في مصر والوطن العربيأن يرصد بالقلم والرِّيشة والكاميرا نباتات بلاده المحروسةويُنجز ما لا يمكن أن تنجزه سوى مؤسسات علمية ضخمة.
والسؤال المطروح كم مصري سمع عن الدكتور لطفي بولس وموسوعته، هل قدرته وسائل الإعلام، هل كتب عنه أحد فقدره، لقد مات في صمت مطبق حتى أن جامعته جامعة القاهرة لم تقدم له ما يستحقه من تقدير، الآن في كل أنحاء العالم يذكر وتذكر معه موسوعته، لكننا أيضا علي المستوي الأكاديمي والبحثي لم نوظفها كما يجب كما لم نترجمها إلى مشروعات إنتاجية تعظم من استفادة من هذه الثروة الضخمة.