لاشك أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى موسكو فى عيد النصر الـ 80 ، تحمل الكثير من الدلالات الرمزية، خاصة أنها تأتي في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والحرب التجارية التى يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فضلا عن حرب غزة وأعمال الإبادة التي يرتكبها الاحتلال، فضلا عن تعدد الأزمات فى السودان وليبيا وسوريا واليمن، إضافة إلى الحالة الاقتصادية التى تحتاج إلى شركاء اقتصاديين دوليين، وإلى استثمارات وأموال خارجية لتحريك الآلة الاقتصادية التي تأثرت بفعل عدم الاستقرار فى المنطقة.
وأهمية هذه الزيارة تأتى في ظل معطيات تؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى إلى فرص تجارية وتنموية أكبر مع مصر خاصة في ظل اشتداد حجم العقوبات الغربية على بلاده على خلفية الأزمة الأوكرانية، فضلا أن روسيا بحاجة ماسة إلى مصر في الوقت الحالي من أجل زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، خاصة و أن مصر تعتبر نقطة وصل تجارية مهمة بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى إمكانية تطوير العلاقات الثقافية والسياحية بين البلدي.
ولا ننسى أن الظروف الدولية مواتية لإعادة دفع العلاقات المصرية الروسية والوصول بها إلى تلك المستويات التي كانت عليها في الحقبة الناصرية، وبالتالي فإن الزيارة تخدم استقلالية القرار المصري بعيدا عن الضغوط التي قد يمارسها بعض اللاعبين الدوليين، فى ظل التلكؤ الأمريكي رغم أن مصر حريصة أن لا تستبدل علاقاتها الإستراتيجية بالولايات المتحدة بعلاقات أخرى، فمؤكد أن للولايات المتحدة مكانة خاصة سواء في العالم أو منطقة الشرق الأوسط
ما يعنى أن الزيارة أكدت أن لمصر خيارات أخرى في سياستها الخارجية، ومن هذا المنطق فإنه من المهم أن تتوجه مصر بحرية أكبر بشأن تطبيق رؤيتها للقضايا الداخلية والإقليمية في ظل حرص الولايات المتحدة على الحفاظ على التفوق النوعي والإستراتيجي لإسرائيل، ومن ثَـمَّ، كان لابد لنا من التعاون في هذا المجال مع دُول أخرى، وتحديدا مع روسيا والصين بما يمنح مصر فُـرصة لاستعادة التوازُن مع إسرائيل.
إضافة إلى أن التعاون مع الجميع والانفتاح والتنوع سواء مع روسيا والصين ودول أوروبية يجعل قدراتنا العسكرية والاقتصادية ليْست فقط في مأمن، وإنما لديها القدرة على المناورة والخِداع الإستراتيجي، وهو ما يجعل صانِع القرار في مصر لديه قُدرة أكبر على الإستقلالية في سياسة مصر الخارجية والداخلية، وخاصة في مواجهة أي دولة تُهدِّد الأمن القومي لمصرى.
غير أن هذه الزيارة تعزز من العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا، خاصة في مجال الاستثمار، لأن روسيا عندها رغْبة قوية في التعاون مع مصر، وتشهد العلاقات تعاونا مثمرا في مجال تكنولوجيا الإستخدامات السِّلمية للطاقة النووية، خاصة وأن روسيا متقدِّمة في هذا المجال عن غيرها من الدول الكبرى، وهو ما يمكن أن يعطي دفْعة قوية للمشروع النووي المصري الذي بدأ بتكنولوجيا روسية في محطة الضبعة.
وأخيرا.. هذه الزيارة تعكس التغييرات التي يعيشها العالم، وتحول موازين القوى فيه، فروسيا والصين اتقدمان بثبات في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتسعيان الى استغلال أخطاء الغرب، خاصة أخطاء الولايات المتحدة، في المنطقة برمتها، وبالتالي تتحرك مصر من منطلق التعاون المشترك مع الجميع بما يخدم مصالحها وأمنها القوى حفاظا على استقلالية القرار المصرى من ناحية وعقد شركات استراتيجية مع الجميع .