مقدمة الحكومة المقبلة في العراق
تضع تقرير معهد "واشنطن ريبورت" الأمريكي صورة الحكومة العراقية المقبلة داخل معادلة معقّدة، حيث ثلاثيّها الأساسي هو فساد متجذّر تحوّل إلى نمط حكم، وقطاع عام متخم بنحو 700 الف وظيفة جديدة في سنوات قليلة، واقتصاد مرتهن لسعر نفط يجب أن يقترب من 90 دولارًا للبرميل كي تبقى الموازنة واقفة من دون عجز يتضخّم عامًا بعد آخر.
الفساد في العراق
يرى المعهد أنّ الفساد في العراق لم يعد حالة عابرة أو انحرافًا فرديًّا، بل "نمطًا" راسخًا يسيّر عمل البيروقراطية الحكومية من أعلى الهرم إلى أسفله. فالمواطن الذي يحمل طلبًا أو معاملة رسمية، يجد نفسه غالبًا مضطرًا للمرور عبر حزب أو جهة سياسية تمثّله طائفيًا أو قوميًا، مع إرفاق الطلب برسائل ووساطات و"هدايا" وعمولات تُدفع للمتنفّذين، كي تتحرك معاملته في ممرات الدولة.
تأثير الفساد على الحكومة
وبحسب البروفيسور أليسا والتر، مؤلّفة كتاب "المدينة المتنازع عليها: تكريس المواطنة والنجاة في بغداد الحديثة"، فإنّ نتائج الانتخابات وتشكيلة الحكومة المقبلة "لن تُحدِث تغييرًا حقيقيًا في ملف الفساد"، لأنّ القوى التي تتقاسم السلطة اليوم هي نفسها التي صاغت قواعد اللعبة بعد 2003، وتملك مصلحة في استمرارها كما هي، مع بعض التعديلات الشكلية عند الحاجة.
القطاع العام في العراق
التقرير يعود كذلك إلى تجربة تظاهرات تشرين 2019 بوصفها اللحظة الأوضح التي رفع فيها الشارع شعار مكافحة الفساد وربطَه مباشرة بسوء الخدمات وانعدام العدالة في توزيع الفرص، لكنّ مآلات تلك الاحتجاجات، من وجهة نظر المعهد، أظهرت أنّ المنظومة السياسية استطاعت امتصاص الصدمة من دون إحداث مراجعة عميقة لأسلوب إدارتها للدولة.
الاقتصاد العراقي
في المقابل، يلفت التقرير إلى أنّ المجتمع العراقي "أصبح معتادًا" على هذا النمط من الأداء؛ فالكثير من البغداديين، كما ينقل، يربطون حضور المسؤولين والنشاطات الخدمية المحدودة بمواسم الانتخابات، حيث تُنفّذ أعمال ترميم موضعية أو إصلاحات جزئية في الشوارع والساحات العامة، قبل أن يختفي الحراك بعد انتهاء الاقتراع.
الوضع المالي للقطاع العام
على مستوى البنية المالية، يتوقّف التقرير عند موجة التوظيف الواسعة في القطاع الحكومي خلال السنوات الأخيرة، والتي يُقدَّر أنّها أضافت قرابة 700 الف موظّف جديد إلى الجهاز الحكومي في فترة تولّي السوداني. هذه الزيادة رفعت إجمالي العاملين في القطاع العام إلى ما يناهز 4 ملايين موظّف، فضلًا عن مئات الآلاف العاملين في الشركات العامة المموّلة من الموازنة.
العلاقة بين أسعار النفط والموازنة
في الخلفية، يقف ملف النفط كعامل حاسم في المعادلة. فالتقرير يشير إلى أنّ "سعر التعادل" الذي تحتاجه الموازنة العراقية لتغطية التزاماتها من دون اللجوء إلى الاقتراض يقترب اليوم من 90 دولارًا للبرميل، بسبب تضخّم كتلة الرواتب والدعم وتزايد الإنفاق الجاري، إلى جانب محدودية الإيرادات غير النفطية.
التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة
ويخلص التقرير إلى أنّ الحكومة المقبلة ستواجه ثلاثية ضاغطة: فساد متجذّر يوفر للأحزاب موارد ضخمة ويصعّب المساس بشبكات المحاصصة، قطاع عام متخم يلتهم الجزء الأكبر من الموازنة ويقيّد أي محاولة لإعادة الهيكلة، واعتماد شبه كامل على أسعار النفط في سوق عالمية لا يمكن التنبؤ بها. بين هذه الأضلاع الثلاثة، ستكون قدرة الحكومة الجديدة على التحرّك مرتبطة بمدى استعداد القوى السياسية للموافقة على قرارات مؤلمة شعبيًا، مثل ضبط التعيينات وكبح الهدر، مقابل فتح مسار مختلف لبناء دولة خدمات ومؤسسات، لا دولة رواتب فقط.
الخلاصة
ويبقى السؤال، الذي يتركه التقرير مفتوحًا، هو ما إذا كانت القوى التي استفادت لسنوات من هذا النموذج المالي – السياسي قادرة فعلًا على تفكيكه، أم أنّ الحكومات المقبلة ستكتفي بإدارة الأزمة وتأجيل الانفجار، بانتظار دورة نفطية جديدة، أو احتجاجات جديدة، تعيد طرح الأسئلة نفسها من نقطة الصفر.

