الفن الإسلامي: قوس النور والروحانية
الشارقة: عثمان حسن
تُبرز أهمية الفن الإسلامي في بعده الديني والروحي في استشفافه لمكامن القوة والكمال في كثير من الأشكال الهندسية والمعمارية. لكل شكل معماري، سواء كان مربعاً أو مكعباً أو دائرة، أو حتى قوساً، يحمل في داخله الكثير من عناصر الجمال التي تتجاوز الشكل نحو البحث عن الجوهر العميق لهذه الأشكال في دلالاتها البعيدة التي ترمز إلى القوة والرسوخ والكمال اللامتناهي.
القوس كشكل هندسي
القوس كشكل هندسي كان حاضراً في عدة أعمال مشاركة في الدورة الجديدة من مهرجان الفنون الإسلامية، التي تنعقد تحت شعار «سراج». هنا، استخدم عند الفنانين ليس بوصفه مجرد شكل هندسي يمثل القوة المادية، وإنما تلك القوة بمعناها البعيد والروحي، لنكون أمام قوة روحية تترجم الوظيفة المادية لهذه الأشكال نحو شيء سامٍ وأبعد، يعيد تشكيل هذه الوظيفة بمعناها الأبعد والأعمق والجوهري.
قوس بطيء داخل مكعب
«قوس بطيء داخل مكعب» هو عمل للفنان البريطاني كونراد شوكراس، المشارك في المهرجان. حيث استخدم الفنان مواد من الفولاذ المطلي مع إضاءة ونظام ميكانيكي، لكي يحوله إلى منطق بصري وفكري. شوكراس الذي يستخدم العلم والمنطق ويتمتع بعقلية تأملية لا تعرف السكون، ينطلق في هذا العمل المركب، والذي ينطوي على غرابة من نوع ما، من رؤية خاصة تتجاوز ظاهر الأشياء والتذكير بضآلة إدراك البشر أمام عظمة اللامرئي.
الرمزية الفلسفية
يشير شوكراس إلى أنه في عمله هذا، يستدعي كهف أفلاطون، بما يحمله من رمزيات فلسفية عن الإدراك والحقيقة، استخدمه أفلاطون لإيضاح المعرفة والواقع وطبيعة الإنسان. هنا، يستخدم من قبل شوكراس لاستكشاف العلاقة بين الإدراك والوجود. الناس في الكهف لم يروا شيئاً خارجه، ما يعني أن إدراكهم للحقيقة محدود وضيق. هنا، يحاول شوكراس التنبيه إلى أهمية الفكر النقدي في تحرير العقول من الأوهام، في عمل يمزج بين الدقة العلمية والخيال الفني.
أقواس الضوء
أقواس الضوء كوجود مادي، وانعكاسه كتجربة وجدانية حية تفيض بإحساس مهيب بالقداسة، هو الفكرة الرئيسية لمنحوتة الفنانة الإيرانية ندا سلمان بور، وهي بعنوان «أقواس». تستلهم جوهرها من هندسة الشرق الأوسط، وما تنطوي عليه هذه الهندسة من لغة بصرية. هي منحوتة ضوئية عاكسة صممت بعناية ودقة متجذرة في تقاليد الفن والعمارة الإسلامية.
الرمزية الروحية
لا شك في أن الضوء هو المرتكز الأساسي في هذه المنحوتة. فالضوء هو رمز الهداية والنور، وهو يرتبط في القرآن الكريم باسم الله وصفاته، كما يرتبط بالملائكة الذين خلقوا من نور. يستخدم في الفنون والعمارة الإسلامية للتعبير عن المفاهيم الدينية والروحانية. هذه الرمزية الروحية حاضرة في هذا العمل، فالأنماط التي يلقيها الضوء لا تكتفي بإضفاء الجمال، بل تنطوي على معنى وصدى يتردد لغة بصرية تعبر من خلال الهندسة عن النظام والروحانية والاتصال بالعالم الإلهي.
التعبير الفني
قامت بالتعبير عن هذه الأفكار من خلال أسطح عاكسة مرتبة في العمل بتوزيع متقن، يحاكي كل عنصر فيها نظيره في إيقاع متناسق، ليشكل المجموع كتلة من الضوء والانعكاس تفيض بإحساس مهيب بالقداسة. تستند المنحوتة إلى قاعدة كروية تسمح لها بالميلان برفق، كأنها تعيد إلى الذاكرة حركة الفوانيس المضيئة بالشموع، حين كانت تحمل عبر الغرف والساحات في هدوء الليل. هذه الأسطح تتأرجح كأنها تتنفس، ومع كل حركة، يخترق الضوء سطحها المرآوي، وينسكب إلى الخارج، في رقصة مكانية بطيئة ومهيبة.
أعمال مرآوية
لقد نفذت الفنانة ندا سلمان هذه المنحوتة باستلهام أعمال مرآوية متجذرة في الحرف والمعمار. فتغدو الأقواس وعاء للحضور عدا عن كونها وعاء للضوء. العمل يدعو المشاهد للتركيز إلى الداخل، لا ليرى صورة ثابتة، بل تركيبة متبدلة من الانعكاسات متعددة الطبقات. ومع كل حركة، يتكشف وجه جديد من وجوهه.

