توسع الفجوة بين ما يحدث على الأرض بالنسبة لغالبية الباحثين عن فرص جديدة، وبين ما يجري في دوائر القيادة العليا داخل الشركات الكبرى. فبينما تتزايد المؤشرات على تباطؤ واضح في التوظيف وتنامي موجات التسريح، تُظهر مستويات الإدارة التنفيذية حركة معاكسة تماماً، تعكس مشهداً وظيفياً أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
يرتبط هذا التناقض أيضاً بتغيّر أعمق في بنية الأسواق وطبيعة المهارات المطلوبة. في الوقت الذي تُحجم فيه الشركات توسعها وتقلّص التوظيف في المستويات التشغيلية، تدفعها الضغوط الاستراتيجية إلى البحث عن قيادات جديدة قادرة على إدارة التحول الرقمي، واحتواء مخاطر الأزمات، والتعامل مع بيئة عمل تتغير بسرعة بفعل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة.
وفي قلب هذه التحولات، تقف التكنولوجيا -مع طفرة الذكاء الاصطناعي- كلاعب رئيسي يعيد رسم خريطة الوظائف، ويحدد إلى حدّ كبير من يبقى ومن يغادر. ومع توسع الاعتماد على الأتمتة، أصبحت الشركات أكثر ميلاً لاستقطاب قيادات تمتلك رؤية رقمية متقدمة، في مقابل تراجع الفرص المتاحة للوظائف التقليدية.
### مشهد مختلف
في هذا السياق، يشير تقرير لـ “بلومبيرغ” إلى أن: بالنسبة لغالبية الباحثين عن عمل، بدأت الفرص في التلاشي؛ فقد تباطأت وتيرة التوظيف مقارنة بالعامين الماضيين، وتزايدت العناوين الرئيسية التي تتحدث عن موجات تسريح موظفين. لكن في قمّة الهرم المؤسسي، لا يزال المشهد مختلفاً تماماً، إذ تبقى الوظائف القيادية متاحة وبوفرة.
### أسباب النمو
يقول محللون وشركات التوظيف إن استقطاب القيادات من الفئة العليا ما زال نشطًا، استنادًا إلى معدلات دوران تلك المناصب. ويُعزى ذلك إلى مزيج من الإرهاق المهني، والتقاعد، وضغوط الأداء التي تدفع بعض التنفيذيين إلى المغادرة، في حين تدفع عوامل أخرى -مثل المستثمرين النشطاء، وتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي، وانتعاش صفقات الاندماج والاستحواذ- مجالس الإدارة إلى إعادة النظر في هوية من يقود الشركة.
### المناصب العليا
بحسب شركة الاستشارات الإدارية راسل رينولدز أسوسيييتس، فقد شهد العام الجاري حتى الآن تعيين 176 مديراً تنفيذياً جديداً، وهي وتيرة مماثلة للعام الماضي الذي سجّل رقماً قياسياً بلغ 188 مديراً تنفيذياً جديداً حتى نهاية الربع الثالث، وأعلى أيضًا من عدد التغييرات المسجلة في الفترة نفسها من عام 2023 والبالغة 157 تغييرًا.
### التطورات
وبينما يسلّط الخبير الاقتصادي الضوء على التحولات التي تدفع الشركات إلى الإبقاء على زخم التعيينات في المستويات العليا رغم موجات التسريح، تتبدّى ملامح مشهدٍ وظيفي أكثر تعقيداً. فالشركات التي تبحث عن قيادات قادرة على توجيه الدفّة في أوقات الاضطراب، تجد نفسها في الوقت ذاته مضطرة إلى إعادة هيكلة أوسع تشمل الأدوار التشغيلية، وهو ما يعكس فجوة واضحة بين ما تحتاجه المؤسسات في القمة وبين ما تستغني عنه في القواعد.
### أي دور للذكاء الاصطناعي؟
تقول خبيرة أسواق المال حنان رمسيس إن العالم اليوم أمام خيارين: إما الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتقليص عدد العاملين في المؤسسات، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، أو التركيز على تنمية المهارات البشرية والاستعانة بها. وتضيف أن هذا الاختيار يحتاج إلى دراسة دقيقة، لأن الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي قد لا يكون في مصلحة العمل، ولا يلبّي جميع الاحتياجات.

