الهجمات على منشآت النفط والغاز في شمال العراق: نمط متصاعد وملف سياسي مفتوح
الخلفية
تتعرض منشآت النفط والغاز في شمال العراق منذ عام 2024 إلى نمط متصاعد من الهجمات بالطائرات المسيرة، استهدفت مواقع تشغيلية في السليمانية وأربيل ودهوك وكركوك، وأدت إلى تعطّل الإنتاج في أكثر من حقل، وانخفاض حاد في إمدادات الكهرباء، وتوقف عمليات شركات أجنبية تعمل في قطاع الطاقة.
التهمة للميليشيات
الحكومة في إقليم كردستان لم تتعامل مع الهجمات بصفة “مجهولة”، بل ذهبت في عدة مناسبات إلى تسمية الجهة المنفذة بشكل مباشر، وأعلنت أن “فصائل مرتبطة بالحشد الشعبي” تقف وراء الضربات، وأكدت أن تلك الجماعات تستخدم المسيرات والصواريخ القصيرة المدى لاستهداف مشاريع الطاقة بهدف تعطيل عمل الشركات وزعزعة الاستقرار الاقتصادي في الإقليم.
السياق السياسي
الخبير السياسي والأمني حسين الأسعد يرى أن الهجمات “مرتبطة بتوقيت سياسي حساس”، وأن الجهات التي تنفذ الضربات “تعرف جيداً أن تعطيل منشآت النفط والغاز ينعكس على قدرة الإقليم في التفاوض حول الموازنة والحقائب الوزارية وشكل الحكومة المقبلة”. ويؤكد الأسعد أن استهداف منشآت الطاقة “أصبح أداة ضغط معروفة في العراق”، تُستخدم لإرسال رسائل مباشرة قبل أو خلال لحظات التفاوض، خاصة عندما تكون المفاوضات بين بغداد وأربيل في مرحلة حسم توزيع الأدوار داخل الحكومة الجديدة.
الهجمات المتكررة
الهجمات لم تقتصر على موقع واحد. فمنذ نيسان 2024، استُهدفت منشآت الغاز في السليمانية، ثم تبعتها ضربات على حقول النفط في دهوك وزاخو والشيخان وسرسنك، إضافة إلى مواقع مرتبطة بخطوط النقل والتشغيل في محيط أربيل وكركوك. بعضها أدى إلى خسائر بشرية، وبعضها تسبب بحرائق واسعة، بينما أجبرت هجمات أخرى شركات أجنبية على تعليق أعمالها مؤقتاً.
السياسة الاتحادية
الحكومة الاتحادية أعلنت في أكثر من مناسبة أنها حققت “تقدماً كبيراً” في التعرف على الجهة المنفذة، بينما تحدث مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي عن “معرفة المسارات والجهات”، لكن دون إعلان رسمي يحدد الفصيل أو يكشف الجهة التي تقف خلف التنفيذ. هذا التباين بين موقف أربيل الواضح وموقف بغداد الحذر يفسره مسؤولون سابقون بأنه جزء من “حسابات سياسية” تتعلق بتوازن القوى داخل الإطار التنسيقي، وبالرغبة في تجنب مواجهة مباشرة مع جماعات مسلحة تمتلك نفوذاً سياسياً وانتشاراً عسكرياً.
الآثار الاقتصادية
الهجمات الأخيرة كشفت أيضاً هشاشة البنية الأمنية للقطاع. فرغم المطالب المتكررة من حكومة الإقليم بتوفير منظومات دفاع جوي قادرة على كشف وإسقاط المسيرات، ما تزال المنشآت تعمل من دون تغطية رادارية كافية، بينما يعتمد الإقليم على ترتيبات ميدانية بدائية لا تتناسب مع حجم المخاطر. وهذا الضعف جعل منشآت الطاقة أهدافاً سهلة لطائرات صغيرة، منخفضة الارتفاع، قادرة على الوصول إلى عمق المواقع دون اعتراض.
التداعيات الاقتصادية
التداعيات الاقتصادية كانت واضحة: تعطّل الإنتاج في حقول النفط أدى خلال تموز 2025 إلى خسارة تقديرية تجاوزت 200 ألف برميل يومياً، بحسب بيانات رسمية ودولية. أما ضربات الغاز، فكانت آثارها أشد، إذ أدى توقف الإمدادات في بعض الفترات إلى فقدان الإقليم ما يزيد على نصف قدرته الكهربائية. وهو ما انعكس مباشرة على كركوك والموصل، ما جعل الهجمات جزءاً من أزمة وطنية تمتد خارج حدود الإقليم.
الاستجابة الدولية
الولايات المتحدة تتابع الملف عن قرب، ليس فقط لأن شركات أمريكية تدير بعض الحقول، بل لأن الهجمات باتت تمثل تحدياً لوجود استثماري دولي واسع في شمال العراق. التقارير الأمريكية تحدثت بوضوح عن أن المسيرات المستخدمة تشبه طرازات تستعملها فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، فيما وصفت واشنطن الهجمات بأنها “تهديد مباشر للاستقرار الاقتصادي”. غير أن الضغط الأمريكي لم يؤدِ حتى الآن إلى تغير جوهري في مواقف بغداد، ما يعزز الانطباع بأن الحكومة الاتحادية تدير الملف بحذر مبالغ فيه لتجنب صدام داخلي واسع.
الخلاصة
الهجمات المتكررة على منشآت الطاقة في شمال العراق لم تعد مجرد حوادث أمنية. هي جزء من مشهد سياسي يختلط فيه الأمن بالاقتصاد، وتتداخل فيه حسابات المفاوضات الحكومية مع نفوذ الجماعات المسلحة. ورغم أن الإقليم سمّى الجهة التي يتهمها، فإن غياب إعلان اتحادي رسمي، وعدم وجود آلية حماية فعالة، يعني أن هذا الملف سيظل مفتوحاً، وأن الهجمات قد تتكرر في أي لحظة، خصوصاً كلما دخلت البلاد مرحلة سياسية حساسة.

