العراق في معادلات التهدئة والحرب: ساحة محتملة أم طرف فاعل؟
تسريبات الورقة المصرية وتحركات جوية غير اعتيادية
منذ بدء تداول التسريبات المرتبطة بـ"الورقة المصرية" التي تهدف إلى منع تجدد الحرب بين لبنان والكيان المحتل، انتقل اسم العراق من خانة المتابع إلى خانة الوارد في بنود تفاوضية تُناقَش بين عواصم الإقليم. في واحدة من أكثر النقاط حساسية في تلك التسريبات، جرى الحديث عن تعهد مفترض بأن لا يتدخل حزب الله عسكرياً إذا تعرض العراق أو إيران إلى ضربة إسرائيلية.
تحركات جوية غير اعتيادية في جنوب العراق
تزامن هذا الحضور مع تحركات جوية غير اعتيادية في جنوب العراق خلال اليومين الماضيين، حيث رصدت منصات تتبع الطيران عمليات تزود بالوقود جواً نفذتها طائرات أمريكية وبريطانية، بالتزامن مع حديث واسع عن طائرات مجهولة يعتقد مراقبون أنها إسرائيلية، دخلت الأجواء العراقية ضمن طلعات محاكاة قرب الحدود مع إيران.
ردود الأفعال العراقية
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية السابق، أيوب الربيعي، استبعد خلال حديثه تعرض العراق لأي استهداف من قبل الكيان المحتل، وربط ذلك بوجود اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة التي ما تزال فاعلة، وبحسابات إقليمية ودولية معقدة تجعل ضرب العراق مخاطرة تتجاوز حدود الفعل العسكري المباشر.
تسريبات الوساطة المصرية
الجزء المتعلق بالعراق في التسريبات، وفق ما نُشر في الإعلام اللبناني وشروحات الصحفي محمد علوش، لا يتحدث عن استهداف وشيك بقدر ما يتناول طلباً مفترضاً من الوسيط المصري بأن يلتزم حزب الله بعدم التدخل إذا تعرض العراق أو إيران لضربة. مجرد طرح هذه الفكرة في ورقة تفاوضية يعني أن العراق حاضر في أذهان الوسطاء كـ"ساحة محتملة للتصعيد".
تحليل الوضع
على المستوى العراقي، تكشف قراءة تصريحات الربيعي أن النخبة السياسية والأمنية تنظر إلى الموضوع من زاويتين متداخلتين. الأولى هي زاوية الكلفة العالية لأي عدوان على العراق، ليس فقط على مستوى البنية التحتية أو المؤسسات، بل على مستوى المصالح الغربية نفسها. الربيعي أشار صراحة إلى أن أي اعتداء على العراق سيترك أثاره المباشر على تلك المصالح.
رد الفعل الداخلي
الزاوية الثانية تتعلق برد الفعل الداخلي. حين يتحدث الربيعي عن "رد فعل عراقي موحد" فإنه لا يذهب باتجاه لغة تعبئة أو شعارات، بل يرسل إشارة إلى أن أي استهداف مباشر للأراضي العراقية سيجبر الحكومة والقوى السياسية، حتى المتحفظة منها، على اتخاذ موقف واضح.
التحركات الجوية المريبة
وجود تسريبات تتحدث عن مصير العراق في ورقة تفاوضية لبنانية–مصرية، بالتوازي مع نشاط جوي غير مفسَّر بالكامل، يعزز شعوراً متنامياً لدى جزء من الرأي العام بأن البلاد تتحول تدريجياً إلى بند ثابت في حسابات التوازن الإقليمي.
الخيارات العراقية
في مواجهة هذا الواقع، يبرز خياران عمليان أمام بغداد. الأول هو تعزيز مسار التهدئة الديبلوماسية عبر التمسك بالاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة. والثاني هو العمل داخلياً على تقليص هامش المناورة أمام الجهات المسلحة غير المنضبطة.
الخلاصة
يمكن القول إن العراق حاضر اليوم في معظم النقاشات التي تدور حول مستقبل التهدئة أو الانفجار على جبهة لبنان وإيران، لكنه حاضر غالباً بوصفه ساحة محتملة أكثر من كونه طرفاً يملك القدرة على التحكم بما يُكتب في الكواليس. تعليق أيوب الربيعي يعكس محاولة لوضع هذه التسريبات في حجمها الحقيقي، والتأكيد على أن ضرب العراق ليس قراراً سهلاً ولا متاحاً بلا أثمان.

