تحذيرات من هبوط أسعار النفط: أزمة مالية قادمة للعراق؟
الخبرة في شؤون الطاقة تحذر من تصحيح حاد في الأسعار
يحذر الخبير في شؤون الطاقة عباس الشطري من أن المؤشرات المتراكمة تشير إلى أن السوق النفطي يتجه إلى تصحيح حاد وقد يكون عنيفاً خلال الفترة المقبلة، إذا ما تواصلت التهدئة بين موسكو وكييف، وتوسّع تخفيف العقوبات على قطاع النفط الفنزويلي. الشطري أوضح أن التوتر الجيوسياسي خلال العامين الماضيين منح الأسعار "علاوة مخاطرة" رفعتها إلى مستويات مريحة للمصدّرين، لكن أي تسوية سياسية في الحرب، مع عودة تدفق البراميل الفنزويلية، "ستسحب هذه العلاوة وتحوّل السوق من حالة شح نسبي إلى حالة وفرة في المعروض".
تأثير الأسعار على الميزانيات
ويقدر الشطري أن المعطيات الحالية "تسمح بهبوط الأسعار إلى نطاق يتراوح بين 50 و60 دولاراً للبرميل، مع وجود احتمال لهبوط إضافي إذا تسارعت عودة الإنتاج الفنزويلي بالتزامن مع تباطؤ الطلب في الصين وأوروبا". هذا السيناريو، برأي الخبير، لا يتعلق فقط بحركة الأسعار اليومية، بل "يعيد هيكلة ميزانيات الدول المعتمدة على النفط، وفي مقدمتها العراق، الذي بنى كامل نموذجه المالي على سعر نفط مريح، وعلى افتراض استمرار الطلب العالمي عند مستويات مرتفعة".
هشاشة الاقتصاد العراقي
من الناحية البنيوية، يستند الاقتصاد العراقي إلى معادلة شديدة الهشاشة: أكثر من تسعين بالمئة من الإيرادات العامة تأتي من بيع النفط الخام، في حين تذهب الحصة الأكبر من الإنفاق إلى بنود تشغيلية ورواتب ومخصصات ودعم، مع هامش محدود للمشاريع الاستثمارية. هذه المعادلة تعني أن أي هبوط واسع في الأسعار لا ينعكس فقط على أرقام وزارة المالية، بل على قدرة الدولة على دفع الرواتب، وعلى مسار المشاريع، وعلى استقرار سعر الصرف نفسه.
تأثير على استقرار الدولة
وقد سبق للعراق أن عاش هذا المشهد في أزمتين متتاليتين: الأولى بعد انهيار أسعار النفط عام 2014 بالتزامن مع الحرب على داعش، والثانية خلال صدمة كورونا عام 2020 عندما هبطت الأسعار إلى ما دون 30 دولاراً واضطرت الدولة إلى الاقتراض وتخفيض قيمة الدينار لمعالجة فجوة التمويل. الشطري يربط بين تلك التجارب وبين السيناريو الحالي، مبيناً أن "بقاء الأسعار دون عتبة 60 دولاراً، إذا استمر لأشهر، سيفتح الباب أمام عجز مالي واضح، لأن التزامات الموازنة الحالية مختلفة تماماً عن السنوات السابقة، من حيث تضخم كتلة الرواتب، وتوسع التعيينات، وزيادة الالتزامات تجاه المحافظات والبرامج الاجتماعية".
تحذيرات من تأثيرات هبوط الأسعار
ويحذر الخبير من أن انعكاسات الهبوط لن تقف عند حدود الميزانية. فالعراق ملتزم بحصص إنتاج ضمن إطار "أوبك"، ما يعني أن أي محاولة لتعويض انخفاض الأسعار بزيادة الإنتاج ستكون محدودة جداً. في المقابل، قد تضطر الحكومة إلى تأجيل أو تجميد بعض المشاريع الاستثمارية في البنية التحتية والطاقة، وهو ما يخلق حلقة جديدة من التأخير في معالجة اختناقات الكهرباء والغاز والصناعة. كما أن انخفاض تدفقات الدولار الناتج عن تراجع الإيرادات سيضع ضغوطاً إضافية على السياسة النقدية، وقد يوسع الفجوة بين السعر الرسمي للعملة في نوافذ البنك المركزي وبين السوق الموازي إذا لم تتم إدارة المرحلة بحذر.
حلول طويلة الأمد
يرى اقتصاديون أن جذور الأزمة أعمق من حركة الأسعار في حد ذاتها، وتتعلق بنموذج مالي تكرّس بعد 2003 يقوم على معادلة "نفط – رواتب – إنفاق تشغيلي"، دون بناء أذرع إنتاجية موازية في الصناعة والزراعة والخدمات ذات القيمة المضافة. هذا النموذج جعل أي نقاش عن انخفاض أسعار النفط يتحول مباشرة إلى نقاش عن العجز والاقتراض والضغوط على الدينار، بدلاً من أن يكون حافزاً لتصحيح المسار الاقتصادي.
دعوة إلى تحرك سريع
الشطري دعا الحكومة إلى التعامل مع هذه المؤشرات بجدية، وعدم الاكتفاء بمتابعة نشرات الأسعار اليومية، مشدداً على أهمية “تنويع مصادر الدخل عبر تفعيل القطاعات غير النفطية، وتعزيز كفاءة إدارة ملف الطاقة نفسه من خلال معالجة هدر الغاز وحرقه، والذهاب نحو إنشاء صندوق سيادي حقيقي يلتقط الفوائض في سنوات الرخاء ليحمي الموازنة في سنوات الهبوط”. ويؤكد أن “المرحلة المقبلة تتطلب استعداداً مالياً وإدارياً مختلفاً، لأن الاعتماد على ارتفاع الأسعار وحده لم يعد سياسة يمكن المراهنة عليها”.

